لا يبدو أن هناك بارقة أمل في تحقيق اختراق في الأزمات الخطيرة التي تعصف وتهدد الأمن والاستقرار في شرقنا الأوسط الواسع من المغرب إلى باكستان، وخاصة أن هناك انطباعاً يترسخ بعجز وعدم قدرة أميركا، اللاعب الرئيسي في المنطقة، على حسم مسلسل الأزمات وتحقيق اختراق في أي من الملفات الأربعة المؤرقة والمزمنة والتي تزيد من الكراهية والسخط على واشنطن في المنطقة. وما اغتيال عبدالستار أبو ريشة زعيم مجلس صحوة عشائر الأنبار في العراق في انتقام وتحدٍّ من "القاعدة" لتحالفه مع بوش سوى رسالة واضحة من "القاعدة" بأن أي تعاون مع أميركا سيواجه رداً دموياً ومصيراً مأساوياً. بتنا إذن نعيش في موسم البط الأعرج، كناية عن واقع العجز والضعف. وهذا توصيف أميركي صرف يطلق عادة على الفترة الثانية من ولاية رئيس الولايات المتحدة، لأنها تكون الفترة الأخيرة، حيث يكون الرئيس والإدارة في حالة ضعف وعدم قدرة على التعامل بنجاح مع الأزمات والتحديات. مشكلة الاستراتيجية الأميركية في الشرق الأوسط الكبير هي تعويلها على أنظمة محددة معظمها ضعيف أو محاصر ويعاني من مشاكل وتحديات داخلية وإقليمية لتأمين الاستقرار والأمن. ولذلك تعجز تلك الأنظمة عن تحقيق ما هو مطلوب منها. كيف يستطيع المالكي أو محمود عباس أو قرضاي أو مشرّف تحقيق الأمن والاستقرار والمصالحة الوطنية ومحاربة الإرهاب و"القاعدة" و"طالبان"؟! ومثلما يُنظر الآن في الولايات المتحدة الأميركية وخارجها إلى إدارة الرئيس بوش على أنها عاجزة بالرغم من قوتها وعظمتها، ينظر إليها أيضاً الكثير من زعماء العالم -ومنهم أنظمة في المنطقة- باعتبار أنها هي البطة العرجاء الكبرى، لعجزها على تحقيق الانتصارات من حرب أفغانستان والحرب على الإرهاب ومواجهة تنظيم "القاعدة"، والأهم الخسارة وبدء الانسحاب من العراق. ويعلم كل هؤلاء الزعماء طبعاً أن وعود بوش لن تعني شيئاً لهم في 20 يناير 2009 عندما يغادر هو البيت الأبيض للمرة الأخيرة، كما يقول "ديفيد سينغر" في "نيويورك تايمز". لائحة الزعماء العاجزين عن تحقيق ما تريده منهم واشنطن طويلة وفي دول مركزية، والبداية من نوري المالكي العاجز في العراق المنقسم والغارق في أتون أربع حروب -كما عددها وزير الدفاع الأميركي- والذي كان الرئيس بوش وقيادات الكونغرس قد انتقدوا عجزه، بل لقد طالب السيناتور جوزيف ليبرمان بإقالته، وإن كان المالكي هدد بأن لديه حلفاء آخرين يعتمد عليهم، في إشارة إلى إيران. ثم هناك الثنائي الضعيف محمود عباس وإيهود أولمرت، حيث يرأس عباس سلطة برأسيين دون قدرة على الحسم، فيما لا يزال أولمرت يعاني الأمرَّين داخل حزبه "كاديما" ومن خصومه، بسبب حرب إسرائيل الخاسرة مع "حزب الله" الصيف الماضي. أما حامد قرضاي الرئيس الأفغاني المحاصر الذي يعاني من استعادة "طالبان" لزخم العمليات، فيبدو أكثر ضعفاً وعجزاً عاماً بعد عام، إلى درجة أنه بات لا يجرؤ على إلقاء خطاب دون أن تلاحقه المتفجرات والرصاص. ونختم بالرئيس الجنرال برويز مشرّف حيث تعول عليه واشنطن لاحتواء "القاعدة" وإلقاء القبض على بن لادن وإبقاء باكستان النووية مستقرة، فيما يزداد حصاره وسط اشتداد الاعتداءات على القوات المسلحة لباكستان، وهي دولة مركزية لا يسمح بأن تتحول إلى حالة تعمها الفوضى وعدم الاستقرار. هذه الأنظمة تشكل مجتمعة تجمعاً لدول تعاني من عدم الاستقرار، وعدم القدرة على حل نزاعاتها وخلافاتها. والسبب الأهم لهذا العجز هو طبعاً عجز الأقوياء وفي مقدمتهم واشنطن، عن الأخذ بأيدي هذه الأنظمة لانتشالها من المأزق الذي تجد نفسها عالقة فيه، وبسبب رئيسي هو علاقتها مع واشنطن تحديداً. لا يبدو إذن أننا سنشهد أي إنجاز أو اختراقات تذكر في أي من الملفات التي تطرقنا إليها آنفاً. لن نرى حلاً عاجلاً لأزمات الإرهاب والصراع العربي- الإسرائيلي والشأنين العراقي والأفغاني. وعليه ستبقى واشنطن تدير أزمات الشرق الأوسط الكبير هكذا في مراوحة وحركة البط الأعرج. سنرى أحد فصولها في مؤتمر السلام الخريفي لحملة علاقات عامة ستتمخض عن لا شيء. ويبدو أن الجميع بات مقتنعاً بعقم النتائج وباستحالة الاختراقات حتى يتغير سيد البيت الأبيض، وعندها لا ضمانة في التغيير.