على رغم أن ممارسة السياسة لم تكن بالأمر السهل أبداً، إلا إن تلك الممارسة تغدو عملاً غاية في الصعوبة في بعض الأحيان، بالنسبة للعرب الأميركيين، هذا على رغم نجاح العرب الأميركيين على مدى الثلاثين عاماً الماضية في إيجاد أرضية مشتركة كافية لتنظيم قوتهم الانتخابية، وحشد قدراتهم في القضايا ذات الاهتمام المشترك، من أجل الحصول على الاعتراف، والتمكن من التواصل مع التيار السياسي العام في الولايات المتحدة الأميركية. وترجع صعوبة الممارسة السياسية بالنسبة للعرب الأميركيين إلى حقيقة أنهم ينتمون إلى خلفيات متباينة، وأيديولوجيات متنافسة، وأجندات مختلفة. بيد أن معظم زعماء الجالية تمكنوا على مدار العقود الثلاثة الماضية من إدراك أهمية توحيد الصفوف، والعمل معاً، سواء على المستوى المحلي أو على المستوى الوطني، وهو ما عزز من فعاليتهم وأتاح لهم فرصة بناء المؤسسات والمنظمات التي ساهمت بدورها في توحيد جالياتهم وتوحيد الأجندة التي تعمل بموجبها. ونظراً لأن المسار التنظيمي للعرب الأميركيين قد سار في خط تصاعدي خلال الفترة المشار إليها، فإن العرب الأميركيين تمكنوا من الحصول على المزيد من الاعتراف ومن فرص التواصل مع المجتمع. فحتى عشرين عاماً خلت فقط، كانت الجهود السياسية للعرب الأميركيين تلقى الرفض والصد بشكل روتيني من البعض في المجتمع الأميركي. وعلى رغم ذلك، تمكن زعماء العرب الأميركيين من خلال تصميمهم ومثابرتهم من الحصول على دعم من قبل بعض الشخصيات السياسية الفاعلة مثل "جيسي جاكسون"، و"رونالد ريجان". والحرب في العراق، ومحنة الفلسطينيين، والاضطراب السياسي المستمر في لبنان، والسمعة المتدهورة للولايات المتحدة في العالم العربي، والتهديد الموجه للحريات المدنية، والحوار الانقسامي حول الهجرة، كلها أمور تحظى باهتمام العرب الأميركيين إلى حد كبير، إلى جانب كونها بالطبع بنوداً مركزية في الأجندة الوطنية للولايات المتحدة. وعندما يجتمع العرب الأميركيون في مؤتمرهم ربع السنوي في أكتوبر القادم والمسمى "مؤتمر القيادة الوطنية"، فإنهم سيفعلون ذلك بشعور بالثقة وخصوصاً أن كافة المؤشرات تدل على أن مؤتمر هذا العام سيعكس النمو الذي شهدته الجالية، والذي سيمكنها من مواجهة التحديات الكبيرة التي تقف في طريقها. وفي هذا المؤتمر سيسعى العرب الأميركيون للتفاعل والتواصل مع المرشحين لمنصب الرئاسة ومع حملاتهم. فمما يذكر في هذا السياق أنه وحتى المؤتمر الذي سبق انتخابات 2000 لم يكن هناك سوى مرشحين رئاسيين اثنين فقط هما اللذان حضرا مؤتمراً للعرب الأميركيين هما "بوب دول" و"جيسي جاكسون". وفي مؤتمر ما قبل انتخابات 2000 حضر "آل جور" و"جون ماكين".. أما في المؤتمر الذي سبق انتخابات 2004 فقد قبل جميع المرشحين "الديمقراطيين" -ورئيس حملة بوش أيضاً دعوة العرب الأميركيين للظهور في مؤتمرهم. المشكلة بالنسبة لمؤتمر هذا العام هي أن العرب الأميركيين قد وقعوا في مرمى النيران المتقاطعة بين ميتشجان والولايات الأربع الأولى التي ستجري فيها الانتخابات. فـ"مؤتمر القيادة الوطني" سيعقد كما هو الحال دائماً في ميتشجان.. ولكن ونظراً لأن ميتشجان غيرت تاريخها الابتدائي إلى منتصف يناير، فإن ذلك قد أدى إلى إغضاب الولايات الأربع الأولى التي ستعقد فيها الانتخابات، وهي ولايات "إيوا" و"نيوهمبشاير"، و"ساوث كارولينا" و"نيفادا" ودفعها لمطالبة المرشحين الرئاسيين بالتوقيع على تعهد يلتزمون فيه بعدم القيام بحملة في ميتشجان. لذلك، فإنه على رغم أن المرشحين الرئاسيين قد أعربوا عن اهتمامهم بحضور مؤتمر العرب الأميركيين إلا أنهم عادوا لينسحبوا الآن. وقد أصدر المعهد العربي الأميركي نداء للولايات الأربع للتنازل عن تعهدها، حتى لو اقتصر ذلك التنازل على مؤتمر العرب الأميركيين فقط، وبحيث لا يتم إقصاء قطاع من المجتمع الأميركي من الحوار الوطني. والاستجابة السريعة لذلك الطلب تبدو مشجعة حتى الآن حيث قامت وسائل الإعلام الوطنية بتناول القصة والتركيز على التعهد الذي وقعته الولايات المبكرة، والنتيجة غير المقصودة التي ستترتب عليه. وسنعرف عما قريب ما إذا كان المرشحون سيتسلمون تنازلاً يسمح لهم بالظهور في المؤتمر أم لا.. ولكننا نعيد التأكيد هنا على أن ذلك التنازل سيكون مهماً للعرب الأميركيين، وللحوار السياسي الوطني في آن واحد.