توريث" لـ"الأزمة" في البيت الأبيض... وآخر لـ"السلطة" في الكرملين هل وصل الرئيس الأميركي إلى قناعة بأن الحل الوحيد لورطته العراقية هو توريثها لمن سيخلفه في البيت الأبيض؟ وهل سيكون "فيكتور زيبكوف" هو "وريث" الرئيس بوتين في الكرملين؟ وهل سيرسم ارتفاع أسعار النفط معالم نظام عالمي جديد؟ أسئلة ثلاثة نضعها تحت دائرة الضوء ضمن جولة سريعة في الصحافة الفرنسية. عراق... بلا مخرج: تحت هذا العنوان نشرت صحيفة لوموند افتتاحية تناولت فيها بالتحليل ما جاء في خطاب الرئيس الأميركي يوم الخميس الماضي، الذي تحدث فيه عن الوضع في العراق. وقد اعتبرت الصحيفة أن النتيجة النهائية التي خرج بها المراقبون مما جاء في خطابات الرئيس بوش ومساعديه، خلال الأيام الماضية، هي أنه لا توجد استراتيجية واضحة لديهم حتى الآن. فليس لديهم أي تصور حول "النصر" -وهي كلمة اختفت نهائياً من قاموس الخطاب الرسمي الأميركي- ولا حول "الانسحاب" العسكري، على رغم الأهمية التي يحتلها هذا المطلب في قلب السجالات الداخلية الدائرة منذ فوز "الديمقراطيين" في الكونجرس نهاية 2006. وها هو بوش يستدعي الآن كلمة بديلة هي "عودة النجاح"، وهي صيغة لا تضع في أيدي الأميركيين أو العراقيين شيئاً ملموساً يمكن المراهنة عليه. وبعد مرور 8 أشهر على إطلاق إدارة بوش لما سمته "المقاربة الجديدة" حول العراق في 10 يناير، مع ما ترتب على ذلك من إرسال لتعزيزات بلغت 30 ألف جندي، وأيضاً من إرسال للجنرال ديفيد بيترايوس إلى بغداد، ها هي تلك المقاربة تثير كل هذا القدر من الشكوك في واشنطن، وها هو بوش يعد الأميركيين مجدداً في خطاب الخميس بأن عدد قواتهم في بلاد الرافدين سيتقلص في صيف عام 2008 ليصل إلى حجمه فيما قبل يناير 2007، أي 130 ألف جندي. وليست في هذا الكلام، تقول الصحيفة، مفاجآت ولكن فيه إحباطاً كبيراً للأميركيين الذين يضعون عودة جنودهم في سلم أولوياتهم الآن، والذين سمعوا مؤخراً من الجنرال بتراويوس تقريراً قريباً من الدقة في توصيفه لما يجري بالضبط في العراق. ليست هنالك إذن مفاجأة في ممانعة بوش في الاعتراف بالهزيمة في الحرب، أو حتى بالفشل في التخطيط السياسي لما بعدها. وتمضي لوموند قائلة إن الانطباع السائد الآن هو أن بوش قرر بشكل واضح توريث أزمته العراقية للرئيس الذي سيخلفه في البيت الأبيض سواء أكان "جمهورياً" أم "ديمقراطياً"، ولكن المشكلة الكبرى هنا هي أن الجمهوريين يتبنون أطروحات بوش بحذافيرها، في حين يجد معظم المرشحين "الديمقراطيين" لانتخابات 2008، أنفسهم أمام تحديات أخرى كثيرة لا تقل إلحاحاً عن العراق، وفي مقدمتها أفغانستان، والشرق الأوسط، و"الحرب على الإرهاب". وفي صحيفة لوفيغارو كتب "إيفان ريوفول" مقالاً تحت عنوان: "ما لا يُقال"، استعرض فيه ما اعتبره مسارات وأسباباً للفشل الأميركي في العراق، مؤكداً أن الأميركيين لو كانوا استمعوا إلى نصائح فرنسا ما كان لهم أن يجدوا أنفسهم بعد كل تلك السنوات في هذه الدرجة من التورط والإحراج في بلاد الرافدين، وأيضاً في حربهم ضد تنظيم "القاعدة"، وهما حربان أدى تداخل الحديث عنهما هذا الأسبوع إلى تعميق جراح الأميركيين، وإلى دخول شعبية إدارة بوش في حالة سقوط حر حقيقية، هذه المرة. النفط يرسم نظاماً دولياً جديداً: صحيفة لوفيغارو تناولت في افتتاحية بهذا العنوان كتبها ستيفان مارشان، دلالة تجاوز النفط هذا الأسبوع لحاجز الـ80 دولاراً للبرميل، مؤكدة أن الـ500 ألف برميل يومياً التي وعدت منظمة "أوبيك" السوق بضخها من هنا وحتى أفق شهر نوفمبر لا يبدو أنها بعثت أية تطمينات لأن الفجوة بين العرض والطلب في سوق الطاقة تزداد اتساعاً، يوماً بعد يوم، خاصة مع عدم توقف ظمأ الصين والهند للنفط عند سقف، وبالنظر إلى تآكل مخزون أميركا، وعدم تمكنها من تقليص استهلاكها الهائل من النفط. أما الاتحاد الأوروبي فرغم كون إمدادات الطاقة هي نقطة ضعفه التقليدية فإنه مع ذلك يستفيد من الارتفاع الحالي للعملة الأوروبية في مقابل الدولار الذي يدفع به ثمن وارداته في مجال الطاقة. وينتهي الكاتب إلى القول إن على الدول الغربية الغنية أن تعود نفسها من الآن فصاعداً على التعايش مع مقتضيات نظام عالمي جديد تضع الدول المنتجة للنفط قواعد لعبته، ضمن اقتصاد لا تكون هي من ينتج المواد الأكثر فاعلية فيه، وإن عليها أن تستعد أيضاً للتوظيف السياسي لموارد وإمدادات الطاقة المتوقع أن يتزايد على أيدي الروس والفنزويليين، وربما الإيرانيين أيضاً. وبالتالي فإنه يتعين على الدول الغربية أن تختار بين التفاعل مع دلال -وأحياناً ابتزاز- الدول المصدرة، أو أن تكثف بحثها عن بدائل أخرى في مجال الطاقة. زوبكوف ومعركة "الخلافة": تعيين فيكتور زيبكوف رئيساً لوزراء روسيا كان موضوع افتتاحية في صحيفة لوموند يوم أمس، قالت فيها إن اختيار الرئيس فلاديمير بوتين لشخصية غير معروفة على نطاق واسع لتكون على رأس الحكومة، وفي هذا التوقيت بالذات وقد أصبحت فترة حكمه على مشارف نهايتها في مارس 2008، يرسل رسالة واضحة للروس، وللعالم الخارجي أيضاً، مؤداها أن كل شيء ما زال تحت السيطرة في روسيا حتى الآن، على رغم ما يطلق من تكهنات عن كثرة الوجوه المرشحة لخلافة بوتين في الكرملين. والحقيقة أن مسألة انتقال السلطة في روسيا لم تكن في يوم من الأيام سلسة ولا بسيطة. وإذا عرفنا حجم الشعبية الطاغية للرئيس منتهي الولاية، وأن دور البرلمان محدود للغاية، فإن توقع اختيار بوتين لمن سيخلفه في كرسي الحكم، يصبح نوعاً من تحصيل الحاصل. ولعل هذا الانطباع بالذات هو ما سعى الرئيس الروسي لتكريسه بإخراجه الآن من معطفه، لرجل جديد، لم يكن اسمه مدرجاً في بورصة الترشيحات. وتتساءل لوموند، استطراداً، عما إذا كان زوبكوف مرشحاً وارداً حقاً ضمن معركة خلافة بوتين، أم أنه مجرد رجل مرحلة انتقالية بانتظار أن يخرج من القمقم الروسي "المرشح الحقيقي"، وربما في آخر لحظة؟ ومع تقلص لائحة الترشيحات لتقتصر على عدد لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة من المقربين من بوتين، وممن يشتركون معه في الماضي السياسي، وفي الانتماء الجهوي إلى مدينة سان بطرسبورج، فإن حصول مفاجآت مجلجلة في آخر لحظة ما زال وارداً جداً كذلك، تماماً كما شكل وصول بوتين نفسه إلى سدة الرئاسة مع مطلع سنة 2000 مفاجأة أخرى يومها لم يكن أحد يضعها في الحسبان. إعداد: حسن ولد المختار