يشرح كتاب "المنطق النووي: طرق متباينة في شرق آسيا والشرق الأوسط"، لمؤلفته "إيتيل سولينجن" أستاذة العلوم السياسية بجامعة كاليفورنيا، الأسباب التي تدعو بعض الدول إلى السعي للحصول على الأسلحة النووية، وتدعو دولاً غيرها إلى شجب ذلك السلوك والدعوة إلى الحيلولة دون الانتشار النووي، وذلك من خلال النظر في 9 حالات لدول تمتلك تلك الأسلحة بالفعل أو تسعى لامتلاكها وتقع في منطقتي شرق آسيا والشرق الأوسط على وجه التحديد. تقول الكاتبة إن هناك نمطين إقليميين في التعامل مع الأسلحة النووية. ففي منطقة شرق آسيا كانت القاعدة السائدة منذ نهاية ستينيات القرن الماضي هي نبذ الأسلحة النووية، خاصة من دول مثل اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان، وكانت كوريا الشمالية وحدها من شذ عن هذا العرف إذ لم تخف حقيقة طموحاتها النووية، وزادت على ذلك بالانسحاب رسمياً، في فبراير 2003، من معاهدة حظر الانتشار النووي بعدما وقعتها عام 1985. أما في الشرق الأوسط فالعكس هو الصحيح، حيث كانت القاعدة السائدة لدى دول مثل إيران والعراق وإسرائيل وليبيا، هي السعي للحصول على قدرات نووية، وكانت مصر هي الدولة التي شذت عن هذا العرف خلال العقود الأخيرة. في هذا الإطار تناولت الكاتبة البرنامج النووي الإسرائيلي الذي بدأ عام 1947 حين رأى القادة الإسرائيليون أن امتلاك قنبلة نووية سيكون أداة ضرورية للمحافظة على وجود الدولة اليهودية وحمايتها من الدول العربية المجاورة، فتم تصنيع أول قنبلة نووية في مفاعل ديمونة عام 1962، ثم سعت إسرائيل إلى توسيع نطاق تعاونها النووي مع دول غربية، ما مكنها من تصنيع ترسانة من القنابل النووية، يعتقد أنها سادس ترسانة نووية من حيث الحجم في العالم. وتحدثت المؤلفة عن البرنامج النووي العراقي، والذي استخدمه نظام صدام حسين كأداة لتعزيز مكانته الإقليمية والدولية، وكيف قامت إسرائيل بتدمير المفاعل النووي العراقي عام 1981 بعد أن قطع العراق شوطا لا بأس به نحو إنتاج الطاقة النووية. لكن صدام حسين حاول استئناف العمل في برنامج نووي سري مطور قبل أن يوقفه بعد الخروج من الكويت وفي ظروف الحصار الدولي. تناولت المؤلفة بعد ذلك البرنامج النووي الإيراني الذي ظلت طهران تصر على أنه ذو استخدامات سلمية حصراً، رغم توافر كثير من الدلائل على سعيها من خلال ذلك البرنامج إلى امتلاك الأسرار والقدرات التقنية التي تمكنها من صناعة السلاح النووي خلال فترة زمنية معينة، وأنها تفعل ذلك لتعزيز دورها الإقليمي في المنطقة والذي ترى أن مكانتها وقدراتها وتاريخها تؤهلها للعبه، خاصة وأن ثمة دولة أخرى مسلحة نووياً هي إسرائيل. أما ليبيا فكانت قد بدأت برنامجاً نووياً سلمياً وحاولت تطويره والحصول على تكنولوجيا لصناعة قنبلة نووية، وذلك قبل أن تقرر التخلي عن برنامجها النووي طواعية في ديسمبر 2003 وتعود للتعاون مع المجتمع الدولي في مجال منع الانتشار النووي. وفيما يخص البرنامج النووي المصري، فقد بدأ عام 1955 قبل أن يتضاءل الاهتمام به بعد عام 1967 نتيجة لظروف الحرب وهجرة العلماء المصريين للخارج، وتوقيع معاهدة حظر الانتشار النووي عام 1981، ثم على اتفاقية الحظر الشامل للأسلحة النووية عام 1998، وهو ما اعتبر تخلياً رسمياً منها عن الخيار النووي العسكري. كذلك تناولت الكاتبة الظروف المحلية السائدة في كل دولة من تلك الدول، والتي كانت وراء الاختلاف في المسارات بشأن الخيار النووي، وكذلك أوجه الاختلاف بين الدول التي ينادي قادتها بالانفتاح الاقتصادي والاندماج في الاقتصاد العولمي، وبين الدول الأخرى التي يرفض قادتها ذلك الاندماج ويميلون إلى انتهاج سياسات انغلاقية والتركيز على الداخل وعلى السياسات الهادفة إلى الحفاظ على السلطة. فمن نماذج الدول الأولى، أي التي يدعو قادتها للاندماج كوريا الجنوبية وتايوان واليابان... والتي وجد لدى قادتها -كما تقول المؤلفة- حوافز قوية لتبني خيارات توفر على دولهم العديد من التكاليف السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يمكن أن تتعرض لها إذا ما سعوا للحصول على قدرات نووية عسكرية، وذلك رغم حقيقة أن تلك الدول تمتلك المعرفة النووية والتكنولوجيا اللازمة لصناعة السلاح النووي والإمكانيات المادية التي يمكن أن تعينها على ذلك. أما المجموعة الثانية من الدول -دول الشرق الأوسط الأربع المشار إليها- فكان لدى معظمها مزيد من الدوافع لاستغلال موضوع الأسلحة النووية كأداة فعالة للتأثير على الداخل والبقاء في السلطة. وترى الكاتبة أن اتخاذ السياسات والمبادرات الكفيلة بجعل هذه الدول أكثر انفتاحاً تجاه العالم، من خلال تعزيز العلاقات الاقتصادية والسياسية معها، يؤدي بشكل تدريجي إلى التأثير على الأجنحة والقوى الداخلية الساعية لتملك السلاح النووي. وتعزز "سولينجين" حجتها من خلال استخدام منطق آخر لشرح السلوك النووي للدول، فيما يتعلق بالعديد من الموضوعات مثل: الإشكاليات الأمنية، والأعراف والمؤسسات الدولية، والدور الذي تلعبه الديمقراطية والسلطوية. وليس من شك في أن المؤلفة أظهرت من خلال هذا الكتاب، امتلاكها المقدرة والبصيرة المطلوبين لفهم الإشكاليات العاجلة والمتعددة للانتشار النووي في عالم اليوم، وهو ما يجعل من كتابها واحداً من الكتب الرائدة في هذا المجال. سعيد كامل ـــــــــــــــــــ الكتاب: المنطق النووي: طرق متباينة في شرق آسيا والشرق الأوسط المؤلفة: إيتيل سولينجن الناشر: برينستون يونيفيرستي برس تاريخ النشر: 2007