اليوم هو ثاني أيام شهر رمضان المبارك الذي خصه الله من بين شهور السنة بأسمى الصفات؛ حيث أنزل فيه القرآن وجعله شفيعاً للعبد يوم القيامة، كما حدّث بذلك رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم، بقوله: "الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة. يقول الصيام: أي ربي منعته الطعام والشهوة فشفعني فيه، ويقول القرآن منعته النوم بالليل فشفعني فيه، قال فيشفعان". هو سر بين العبد وربه، لذلك كان ثوابه عظيما حيث يقول الله تعالى في حديثه القدسي: كل عمل ابن آدم له إلا الصوم، فإنه لي، وأنا أجزي به". في هذا الشهر الكريم، نصر الله المسلمين على امتداد تاريخهم الإسلامي بعد أن أخذوا بأسباب النصر، فمكن الله لهم في الأرض ونصرهم على أعدائهم، فيه تفتح أبواب الجنة وتغلق أبواب النار وتصفد الشياطين، كما جاء في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم، شهر تضاعف فيه الحسنات، وترفع فيه الدرجات ويستجاب للدعاء. فيه "ليلة القدر خير من ألف شهر"، ليلة وصفها الله بأنها مباركة، وإن قيامها سبب لمغفرة ذنوب العبد حيث يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه"، لذلك فإن السلف الصالح كانوا يستقبلون رمضان بقولهم "اللهم قد أظلنا شهر رمضان وحضر فسلمه لنا وسلمنا له وارزقنا صيامه وقيامه وارزقنا فيه الجد والاجتهاد والنشاط وأعذنا فيه من الفتن. ثلاثون يوماً من كل عام يدخل فيها أكثر من مليار مسلم جامعة الصوم الكبرى بكل جوارحهم، أملاً في الوصول إلى أعلى مراتب الإيمان خاشعين راكعين ساجدين خاضعين ذاكرين، داعين الله أن يتقبل صيامهم وصلاتهم وخشوعهم ودعاءهم وتوبتهم، وأن يغفر لهم ويعفو عنهم، متمثلين فيه قول الرسول صلى الله عليه وسلم "يا أيها الناس توبوا إلى الله واستغفروه، فإني أتوب إلى الله في اليوم مائة مرة". للصوم مذاق روحاني خاص، فهو رسالة روحانية إيمانية اجتماعية بالغة التأثير في أخلاق المسلم، حيث يتدرب المسلم خلال هذا الشهر على مراقبة نفسه وضبطها من الداخل عن فعل المحرمات وتطهير ما علق فيها من شوائب وترويضها على فعل الخير، بحيث يجعلها تسير في هذه الحياة وفق معايير السلوك الإسلامي الصحيح. الصيام علاج للكثير من الأمراض النفسية والعضوية باعتراف غالبية علماء الطب والتغذية في العالم، إلى درجة أن بعض المستشفيات في الغرب تضع لوحات كتب عليها نصوص من حديث الرسول محمد صلى الله عليه وسلم "صوموا تصحوا" وآية من القرآن الكريم سورة الأعراف، والتي يقول الله تعالى فيها "وكلوا واشربوا ولا تسرفوا"، فالصوم يخلص الإنسان من سموم الأغذية التي تتجمع في جسمه وتجعله كالمريض. وقد ثبت علمياً أن الصيام ليس له أي تأثير سلبي على الأداء العضلي كما يشيع عند كثير من الناس، الذين يظنون أن صيام شهر رمضان يضعف المجهود البدني، ويؤثر على النشاط فيقضون معظم النهار في النوم والكسل وقلة الإنتاج في العمل، حيث أثبتت نتائج البحث الذي قام به د. أحمد القاضي وزملاؤه في الولايات المتحدة الأميركية أن درجة تحمل المجهود البدني وكفاءة الأداء العضلي قد ازدادت بنسبة 200 في المئة عند 30 في المئة من أفراد التجربة و7 في المئة عند 40 في المئة منهم. وقد توصلت التجارب التي قام بها عالم التغذية الأميركي المسلم "أندريا وايلر" إلى أن الصيام يحدث تجديداً لعشرة بالمئة من خلايا الجسم في الأيام العشرة الأولى من شهر رمضان، وخلال العشرة الثانية يحدث تجديداً لحوالي ست وستين في المئة من خلايا الجسم، أما في العشرة الأخيرة، فيتم للجسم تجديد جميع خلاياه، وتوصل أيضاً إلى أن الصيام يصل بالصائم إلى مستوى عال من الذكاء والقدرة والتركيز، وتزداد مناعته الجسمانية، وتقل إفرازات وهرمونات الذكورة والأنوثة بمعدل عشر مرات، مما يساعد الإنسان على التحكم في شهواته الجنسية وترشيدها. كل ما أتمناه ألا يتحول هذا الشهر الكريم عند بعضهم إلى لهو ولعب ونوم وتكاسل عن العمل والإنتاج، ومتابعة سموم بعض الفضائيات التي أعدت برامجها منذ شهور فقط، لإخراج المسلم عن روحانية هذا الشهر وحرمانه من لذة العبادة فيه والثواب العظيم، شهر رمضان فرصة عظيمة للإكثار من تلاوة القرآن والصلاة والركوع والسجود والتسبيح والتهليل والاستغفار والتوبة والصدقة وصلة الرحم وفعل الخيرات، لأن الصيام المبرور يدخل الصائم الجنة من باب الريان حيث يقول رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم "إن في الجنة باباً يقال له الريان يدخل منه الصائمون يوم القيامة لا يدخل فيه أحد غيرهم فإذا دخلوا أغلق فلم يدخل منه أحد..