أخطر نتيجة أوصلتنا إليها أحداث الحادي عشر من سبتمبر في ذكراها السادسة، هو تنصيف الإنسان، وهو العمود الأول من الأعمدة الثلاثة التي تنهض بها الحضارات كلها، أما الثاني والثالث فيشملان الزمان والمكان وعلى رأسهما الإنسان الكامل. فالأزمة منذ لحظتها قلصت هذا الإنسان المجرد من كل الآثار الجانبية المتمثلة في الأبعاد العنصرية، أصبح التعامل معه في أميركا وأوروبا وأجزاء من آسيا الحضارة والديمقراطية على أساس أنه نصف إنسان، بعد أن فقد نصفه الآخر ليلة الغزو على ناطحات السحاب. وعندما نركز على هذه الجزئية، فإننا نقارن وضع الإنسان في العالم الغربي الحديث مع شأنه في العوالم الأخرى التي لا يوجد فيها شيء اسمه "إنسان"، فإذا وجد فإنه مجرد ترس في آلة الزمن المعلقة بعيداً عن عنصري الزمن والوطن اللذين وجدا لخدمته وليس العكس كما هو الجاري خارج المسار الحضاري لبناء وصعود الأمم. هذه المعادلة قد اختلت منذ قيام تلك "الشرذمة" بفعلتها المنكرة على الصعيد العالمي، بالنسبة للإنسان الأميركي والأوروبي والآسيوي والعربي والمسلم قبلهم كلهم لأن جنايته سبقت الآخرين من بعد الحادث المريع. ويشهد على ذلك أفظع سجن بني في التاريخ المعاصر بـ"جوانتانامو" خارج كل الأطر القانونية والتشريعية والأخلاقية، التي تحكم السماء والأرض معاً إلا دنيا الإنسان. وهذه الحالة ضغطت وزادت من تحريك قيمة الإنسان الكامل إلى خانة الناقص وهنا اجتمعت كل أنواع الأناسي للاستدلال على هذا الإنسان "النصف". أما الآثار الجانبية لهذه العملية الإرهابية التي زعزعت الكمال في جينات الإنسان، فهي الدخول على خط الإنسان المشبوه والمتهم مبدئياً على أساس أنه الأصل القانوني الواقعي وليس الوضعي، والخروج من هذه الحيثية الجديدة إلى عالم البراءة تكلف نصف الإنسان التضحية بنصفه الآخر ورضاه بالبقاء ضمن صفوف إنسان العالم الثالث، وهو الأمر الذي أدخل السرور والراحة إلى قلوب الأنظمة التي تحكم الشعوب عن طريق سحب كل جينات الإنسانية من هذا المغلوب على أمره ولا نعرف لذلك تسمية جديدة لهذا الإنسان. لقد سقطت كل دعاوى حقوق الإنسان في هذا المستنقع الذي تريد أميركا الخروج منه بأسرع ما يمكن، لأن الضرر وقع أولاً على إنسانه الذي كانت تفتخر به قبل ذلك الحدث وبغير هذا الإجراء فإن أميركا ومن يقف معها في أوروبا وغيرها من البلدان الإنسانية ستعود إلى نقطة الصفر في كل الإنجازات التي تباهت بها على أساس أنها من عمل الإنسان الكامل هناك. ومن المعروف في مسيرة تاريخ الحضارة الإنسانية، أن أي حضارة تجرؤ على مس "الإنسان الكامل" فيها بسوء فإن تداعيات الانهيار والسقوط تكون كبيرة ومروعة والأمثلة على ذلك كثيرة ورهيبة وليس الوحيد منها انهيار الاتحاد السوفييتي الذي كان يدفع لشعبه في يوم من الأيام "سكراً" بدل النقود حتى تأكله النمل ويرسل معارضيه إلى سيبيريا لنيل حظهم من صقيعها بدل قيظ السياسة الماحقة. أميركا وليست غيرها من الدول مسؤولة اليوم مسؤولية كاملة لإعادة النصف الآخر من الإنسان إلى الحياة، وإلا فإنها ستفقد بعد فترة ليست طويلة النصف الباقي من إنسانها ولا يمكن لحضارتها أن تصمد أمام الآخرين على هذا الحال في المستقبل الذي لا يمكن للإنسان النصف أن يتحكم في مصيره، وإلا كانت الإنسانية رماداً ضاراً من أدخنة المصانع التي لا تستغني عن عمود الإنسان الكامل، ورحمة كذلك بنظرية "دارون" في تطور النوع الإنساني من طوره الحيواني إلى الكمال الإنساني وهو عكس ما حدث هناك من فوق أبراج نيويورك.