هناك عدد من الأحداث الأخيرة في إيران تدعو إلى طرح أسئلة حول التماسك الداخلي وأهداف النظام في هذه الدولة. من أهم هذه الأحداث من وجهة نظر سياسية، انتخاب الرئيس الأسبق "علي أكبر رافسنجاني" في الرابع من سبتمبر الحالي لشغل منصب رئيس مجلس الخبراء بأغلبية 41 صوتاً مقابل 33 صوتاً لمنافسه على شغل المنصب "أحمد جنتي". ومن المعروف أن "جنتي" حليف وثيق للرئيس "محمود أحمدي نجاد"، وهو ما يعني أن نتيجة تلك الانتخابات تعتبر هزيمة للرئيس. من الناحية النظرية، يمتلك "مجلس الخبراء" سلطة هائلة على اعتبار أنه الهيئة التي تنتخب المرشد الأعلى، وهي التي تستطيع عزله من الناحية القانونية. ومن المنتظر خلال الفترة القادمة أن تتم مراقبة تصرفات رافسنجاني باهتمام شديد لمعرفة الكيفية التي سيستخدم بها سلطته الجديدة. فعلى الرغم من أنه من كبار المنتقدين للرئيس، ولا يستسيغ المرشد الأعلى، فإنه يتميز بشخصية حذرة في العمل، وبالتالي فليس من المتوقع أن يقدم على اتخاذ أي خطوات جذرية للتدخل في عمل النظام، أو في أسلوبه في ممارسة الحكم. أما الاحتمال الأكثر ترجيحاً، فهو أن يقدم "رافسنجاني" على استخدام منصبه الجديد لتوجيه المزيد من الانتقادات لسياسات الرئيس الإيراني، وتبيان الخطر الذي يمكن أن تشكله تلك السياسات على أمن الجمهورية الإسلامية ورفاهيتها على حد سواء. ومثله مثل باقي البراجماتيين في النظام، يلقي رافسنجاني باللائمة على الرئيس لاستخدامه لهجة خشنة في الخطاب السياسي لا تستسيغها الكثير من الحكومات الأجنبية، وليس الولايات المتحدة فقط. ورافسنجاني يعتقد أيضاً أن الرئيس قد أخفق بشكل مؤسف في إدارة الاقتصاد، وأنه لا يمتلك خطة واقعية لتنشيط النمو الاقتصادي،خصوصاً في قطاع الطاقة الحيوي. من التغييرات الأخرى التي حدثت في إيران تعيين "محمد علي جعفري" كرئيس جديد لـ"الحرس الثوري"، وهو تعيين يرجع كما قيل إلى القلق بشأن التهديدات الجديدة الموجهة للنظام من قبل الولايات المتحدة. ويعتبر جعفري الذي كان حليفاً في الماضي لرافسنجاني، رجلاً عسكرياً أكثر خبرة ومهنية من سابقه في المنصب "يحيى صفوي" الذي يعتبر من حلفاء "أحمدي نجاد". وتكهنات الكثير من الخبراء بشأن السبب في تعيين جعفري، تتمحور حول اعتقاد هذا الرجل بأن التهديد العسكري الأميركي لإيران، أكثر جدية مما يعتقده "صفوي" أو الرئيس، كما يشيرون إلى أن كون تعيين جعفري في منصبه الجديد قد تم بواسطة المرشد الأعلى، فإن ذلك يشير ضمناً إلى أن هذا الموضوع، كان من الموضوعات التي خضعت لحوار جاد بين الزعماء الإيرانيين. من بين المؤشرات الأخرى على وجود انقسام في وجهات النظر في إيران، ذلك الإفراج المفاجئ عن هالة أصفاندياري(67 عاماً) الأستاذة الأميركية- الإيرانية، التي تم احتجازها رغماً عن إرادتها في ديسمبر 2006، ثم تم سجنها في مايو 2007 بتهمة التآمر لقلب نظام الحكم- على ما يفترض- والتي تحولت قضيتها إلى قضية ذات أصداء عالمية بسبب الجهد الذي تم بذله من قبل العديد من الدول لتأمين الإفراج عنها. ولثلاثة شهور لم تكن هناك أي بادرة إيجابية من طهران تجاه تلك الجهود، إلا أن ما أدى إلى كسر الجمود بشأن قضيتها كان على ما يبدو تلك الرسالة التي وجهها إلى المرشد الأعلى عضو الكونجرس السابق"لي هاميلتون" مدير مركز "وودرو ويلسون" في واشنطن وهو المركز الذي تعمل فيه "أصفاندياري". وحسب مصادر موثوق بها في طهران، فإن خطاب "هاميلتون" لم يكن خطاباً سياسياً، بل ركز بدلاً من ذلك على حجج دينية لتأمين الإفراج عن "أصفاندياري". وعلى ما يبدو أن المرشد الأعلى قد أعطى وعداً لـ"هاميلتون" بالإفراج عنها، وهو ما تم بالفعل، وبأسرع مما كان متوقعاً من قبل الكثيرين. كل تلك الأحداث والتطورات لا تؤشر- كما يقول الخبراء- الى وجود اختلافات استراتيجية جوهرية داخل النظام الإيراني. فبالنسبة للموضوع الأساسي الخاص ببقاء الجمهورية، وحاجة إيران للحصول على تقنية متقدمة، بما فيها الحصول على دورة وقود نووي كاملة مستقلة، يمكن القول إنه ليس هناك شقاق كثير حوله. أما على المستوى التكتيكي، فيبدو أمامنا في الواقع أن هناك اختلافاً كبيراً في وجهات النظر، وخصوصاً فيما يتعلق بكيفية إدارة الاقتصاد، والطريقة التي يتعين التعامل بها مع الشباب ومع الولايات المتحدة الأميركية. يشير هذا كله إلى أن الانتخابات البرلمانية التي ستجري عام 2008، والانتخابات الرئاسية التي ستجري عام 2009 ستشهدان منافسات حامية الوطيس. الموضوع الوحيد الذي يمكن أن يوحد القيادة في إيران، هو إقدام الولايات المتحدة على شن هجوم عسكري مباشر على إيران إما بسبب العراق أو بسبب الموضوع النووي. ولهذا السبب تحديداً، معظم المحللين، يحثون إدارة بوش على الحد من الضغط على إيران، والتحول بدلاً من ذلك إلى اتخاذ إجراءات اقتصادية ودبلوماسية محددة، لأن هذه الوسيلة هي التي يبدو أنها ستكون أكثر فعالية، فيما يتعلق بوضع بذور الانشقاق السياسي بين الملالي في طهران.