يهل هلال رمضان هذا العام، وتهل معه الخيرات، معه مكارم الشيوخ الذين عودونا على المكرمات الطيبة، بمناسبة وبلا مناسبة. هذه المكارم المألوفة من شيوخنا، بدءاً من مكرمة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة "حفظه الله" بالإفراج عن 808 سجناء، ومروراً بتوجيهات صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي وأخيه سمو الشيخ حمدان بن راشد آل مكتوم، ووصولاً إلى مكرمة صاحب السمو حاكم عجمان، هذه المكارم التي غمرتنا جميعاً وما زالت تغمرنا بفيض عطائها. وهو العمل الذي لا تتوقف دولتنا عن القيام به في الداخل والخارج، محلياً وعربياً ودولياً، وبما ينسجم مع ثقافتنا وتراثنا العربي والإسلامي. نقول ذلك اليوم مع إطلالة شهر رمضان المبارك، ونحن نتطلع إلى المزيد من المبادرات والمساهمات في عمل الخير، حيث نعلم أن ما قدمناه وقدمه سوانا ليس سوى خطوات قليلة في مسيرة طويلة، مسيرة تمتد بامتداد جيوب الفقر وأحياء البؤس والحرمان في عالمنا. فقر وبؤس وحرمان قد يعاني منها حتى بعض الناس هنا، مواطنين ووافدين، مع الغلاء الفاحش الذي يضرب أطنابه يومياً، ويتفشى بصورة مقلقة، فيهدد أصحاب الدخل "المهدود" بالجوع والمرض وعدم الحصول على التعليم اللائق. إن الحملة للتخفيف عن سجناء القروض جاءت بسبب خلل فادح في حياتنا، فنحن أمام مرض خطير لا يهدد السجين فحسب، بل يمتد إلى أسرته وأهله الذين يعيلهم، وغالباً ما يفقده عمله ويسيء لسمعته في محيطه. هذا من جانب، ومن جانب آخر تتخذ هذه القضية خطورتها من انتشار مرض القروض الميسَّرة بين المواطنين دون مبرر كافٍ ومقنع لهذه القروض، فكثيرون هم الذين يستلفُون من أجل البذخ والترفيه، وليس من أجل ضرورات الحياة وأساسياتها. فهم يتحملون الأعباء بلا طائل من ورائها. وأخطر ما يجري في هذا الإطار هو قروض الشباب، فهؤلاء يبدؤون حياتهم بالقروض ولا ينتهون منها، ما يجعل حياتهم تنقلب جحيماً لا يطاق، ويمكن أن تنجم عن ذلك انحرافات وأمراض اجتماعية لا حصر لها. ولهذا نجد أنفسنا معنيين أكثر بكيفية توعية هؤلاء الشباب، والمجتمع عموماً، على مخاطر القروض الشخصية، كي يكون حل المشكلة حلاً جذرياً وليس آنياً فقط. وهذه فرصة لإطلاق النداء مجدداً من أجل دراسة هذه الظاهرة من حيث أسبابها ووسائل حلها. إن من الغرابة بمكان أن يعاني بعض الناس من الفقر والمرض، في مجتمع الإمارات الذي يعد من أغنى دول العالم، ويعتبر دخل الفرد فيه من الأعلى بين دول العالم أيضاً، فما الذي يسبب الفقر إذن؟ هناك بالطبع أسباب اقتصادية تتعلق بطبيعة بعض الخطط التنموية، وأخرى ترتبط ببعض السياسات الاقتصادية والاجتماعية، وهو ما يتمثل في الفروق في الدخل، والفروق بين المناطق، والتوزيع الديمغرافي للسكان، حيث يغيب الاهتمام بالتعليم والصحة وغيرهما في بعض المناطق غياباً شبه تام، وهذه أمور تتطلب دراسة مستوفية، ولا تكفيها مقالة هنا وحملة هناك. وإلى ذلك، فهناك نمط حياة وثقافة وراء هذه الظاهرة وغيرها من الظواهر، فنحن نعيش نمط الحياة الاستهلاكية بكل تفاصيله، كل ما ينتجه العالم من مواد استهلاكية تجده في أسواقنا، وسرعان ما ينتقل إلى بيوتنا، ويغدو جزءاً من أساسيات الحياة رغم كونه سلعة غير ضرورية على الإطلاق، وللحصول على هذه السلعة يلجأ كثيرون منا إلى كل السبل، بما في ذلك الاقتراض، مهما كان الثمن. يحدث هذا وخصوصاً أننا في بلد يتباهى الكثيرون فيه بأنه يستورد لأسواقه أغلى المجوهرات مثلاً، أو أثمن الساعات والعطور ومواد الزينة في العالم، وبحكم التقليد يلجأ كثيرون إلى امتلاك مثل هذه السلع بأي ثمن. والأمر نفسه يمكن أن يقال عن ظاهرة السفر والسياحة إلى الخارج، حيث ينفق المواطنون المليارات في هذه الأسفار، وغالباً ما يقترضون هذه المبالغ أيضاً. أي أن المواطن مسؤول عن هذه الظاهرة بقدر ما هي الدولة ومؤسساتها مسؤولة. وعلى الجميع الآن أن يسهم في إيجاد الحل المناسب، قبل أن نجد أبناءنا في الهاوية. ويحدث في بلادنا أن يتحول الشهر الفضيل لدى البعض شهراً للبذخ والإسراف، بدلاً من أن يكون شهراً للاقتصاد وتخفيف الصرف، فتجد الموائد تتضخم وتمتلئ بما لذ وطاب من المأكولات والحلويات، وكأن الناس طوال العام لم يأكلوا شيئاً، ووجدوا فرصتهم في رمضان، حتى أن الكثير من الموائد تفيض عن حاجة الناس، ويذهب جزء منها لحاويات القمامة، ولنا وقفة أخرى إن شاء الله.