فجوة بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي... وسراب التغيير عند "براون" معنى "التغيير" عند "جوردون براون"، وحجج غير مقنعة في موقف بريطانيا من مسودة الدستور الأوروبي الجديد، وضعف المشاركة السياسية في انتخابات المغرب، والتقييم الحقيقي لتقرير "بيترايوس"... موضوعات نعرض لها ضمن قراءة موجزة في الصحافة البريطانية. "براون وساعة الاختبار العملي": تحت هذا العنوان نشرت صحيفة "الأوبزيرفر" الصادرة في التاسع من الشهر الحالي، مقالاً افتتاحياً استهلته بالقول إن الفيلسوف الأيرلندي "بيشوب بيركلي"، لم يكن ليؤمن مطلقاً بوجود عالم مادي، ولذا فهو يفسر الواقع على أنه ليس أكثر من كونه مجرد فكرة نظرية عن هذا الواقع في ذهن الإنسان. وبالطريقة نفسها، فإن تجربتك عن هذه الصحيفة "ذي أوبزيرفر" لا تتخطى حدود كونها مجموعة من المشاعر والانفعالات والدهشة.... إلى آخره. كما كان من الطبيعي أيضاً أن يصاب ذلك المجتمع الذكي الذي عاش فيه بيركلي في القرن الثامن عشر، بصدمة ودهشة كبيرتين. ولم تعرض الصحيفة لمثالية "بيركلي" هذه في فهمه عن الواقع، إلا لتخلص إلى أن لرئيس الوزراء البريطاني الحالي "جوردون براون" النزعة نفسها على رغم ما يدعيه من آراء ثورية تحويلية في مجال بنية الفكر كله. فهو أيضاً يظن أنه في الإمكان قولبة الواقع وتشييده في الخيال وفق ما نرى. أما آخر ما حاول "براون" تطبيقه عملياً في هذا المنحى، فهو تظاهره بالإيمان بالديمقراطية والحرية. فها نحن نراه، وهو يعدنا بإتباع الإجراءات القانونية المشروعة في التعامل مع المشتبه بهم في جرائم الإرهاب، بينما يدفع عملياً باتجاه الحبس والاعتقال التحفظي من دون محاكمة، ناهيك عن تشكيل هيئات المحلفين. أما فيما يتعلق بوعود عقد حوار عام يخصص لإصلاح نظامنا الانتخابي، فإن المقصود من هذه الإصلاحات أن تسفر عن نظام انتخابي لا يعكس القوة الفعلية لأصوات الناخبين. وهكذا ينطبق الحال على كل شيء تقريباً. فكلما وعد "براون" بالمزيد من التغيير، كلما ثبت أن الأمور تسير على ذات النهج السابق. وهذه هي الحقيقة التي توصل إليها الأذكياء في الأحزاب السياسية الرئيسية الثلاثة، التي يعتمد عليها مستقبل البلاد وحاضرها. وإن كان ثمة شخص وحيد يعترض على هذا الاستنتاج فهو "جوردون براون" وحده، في مسعاه المستمر لبناء الواقع في عالم الأوهام والخيال. الصدع الأوروبي: في مقال تحليلي نشرته يوم أمس، تناولت صحيفة "ذي إندبندت" ما أسمته التشوهات والأساطير والعلاقات المعطوبة بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي. ولخصت هذا العطب أو الصدع في محاولة المفوضية الأوروبية في بروكسل تقديم العون لـ"جوردون براون" في إحباط الضغوط الممارسة عليه بشأن إجراء استفتاء شعبي عام حول موقف البريطانيين من معاهدة الدستور الأوروبي. غير أن المقال لاحظ فداحة الخطأ الذي ترتكبه كل من بريطانيا ومفوضية الاتحاد الأوروبي في السعي لتفادي عقد استفتاء شعبي بريطاني حول المعاهدة المذكورة. فالحقيقة أن تذرع الحكومة البريطانية بحجة الاختلاف الكامل بين نص المعاهدة الجديدة ومسودة الدستور الأوروبي التي كان قد رفضها الهولنديون والفرنسيون في عام 2005 يظل غير مقنع. فربما يكون الاسم قد تغير، إلا أن روح الوثيقة ونصها يظلان كما هما وبالمضمون ذاته الذي وعد على أساسه رئيس الوزراء السابق توني بلير بتقديم تنازلات عن السيادة القومية، لصالح الاتحاد الأوروبي. يذكر أن "المحافظين" هم الذين يتقدمون صفوف المطالبة بإجراء هذا الاستفتاء الشعبي، لكونه في نظرهم الوسيلة الأكثر فعالية في تعميق الفجوة بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي. دلالة الانتخابات المغربية: كثر الحديث في الغرب عن التحول الديمقراطي في الشرق الأوسط، بل لازمت هذا الحديث مساع عملية، سواء تمثلت في مغامرة إدارة بوش الحالية في العراق، أم في تردد القيادات والنخب العربية إزاء هذا التحول. كما أحاط بهذا الحديث اعتقاد عام مفاده أن الديمقراطية هي نظام الحكم الذي طالما حرمت منه الشعوب العربية المتعطشة شوقاً إليه. وقيل أيضاً فيما قيل إن الديمقراطية وحدها تمثل نظام الحكم الذي يتطلع إليه كل مواطن عربي يتوق إلى المشاركة الفاعلة في صنع مستقبل أمته وإدارة شؤونها. غير أن جميع هذه الفرضيات قد انهارت على حد ما جاء في المقال التحليلي الذي نشرته مجلة "ذي إيكونومست" في عددها الأخير، عندما لم تأبه نسبة تقدر بـ63 في المئة من إجمالي الناخبين حتى لمجرد الذهاب إلى مراكز الاقتراع والتصويت في الانتخابات التشريعية الثامنة التي عقدت في السابع من شهر سبتمبر الجاري. والحقيقة أن نسبة التصويت البالغة 37 في المئة فقط، تعد الأدنى من نوعها في تاريخ البلاد، بينما تقارب نصف عدد الذين أدلوا بأصواتهم في انتخابات عام 1984، حيث بلغت النسبة حينها 67 في المئة. وقد بدا هذا التراجع في مشاركة الناخبين المغاربة في الانتخابات منذ عام 2002، حيث انخفضت نسبة هؤلاء إلى 52 في المئة فقط. ولهذا التراجع جذور وأسباب عديدة تدور جميعها حول فقدان الناخب المغربي لحماس المشاركة في العملية الديمقراطية المفرغة التي قد لا تفضي إلى أي تغيير في واقع المواطنين أو حياتهم فيما مضى. بل يعود جزء كبير من هذا اليأس، إلى التجاوزات التي عرفت بها التجربة الانتخابية سابقاً ويشكك الكثيرون في استمرارها حتى الوقت الحالي. النجاح الاستراتيجي المزعوم في العراق: ونختتم أخيراً بما جاء في المقال الافتتاحي الذي نشرته صحيفة "الجارديان" الصادرة في الأول من أمس حول تقرير الجنرال ديفيد بيترايوس عن مسار الحرب، وخاصة مسار الخطة الأمنية الجديدة القائمة على زيادة عدد القوات الأميركية في العراق. فعلى رغم حدة انتقادات الأعضاء "الجمهوريين" بالكونجرس لهذا التقرير الذي عرض أمامه في العاشر من الشهر الجاري، فإنه لا يزال يمثل الفرصة الأكثر ملاءمة لدرء شرور الحرب الأهلية الشاملة وويلاتها. وعلى عكس ما يُشاع عن إملاء البيت الأبيض أو وزارة الدفاع "البنتاجون" التقرير المذكور على الجنرال، إلا أن المضمون المعبر عنه في التقرير، يعكس وجهة نظر عسكرية مهنية مستقلة، إلى حد كبير، قدمها الجنرال بيترايوس عن الوضع الميداني في العراق. ومن خلال الرسم البياني الذي قدم ضمن محتوى التقرير، فإن من الواضح أن هناك انخفاضاً في شتى أشكال الهجمات التي تستهدف جنود التحالف الدولي. إعداد: عبد الجبار عبدالله