في شهادته أمام الكونجرس أول من أمس الاثنين، أعلن الجنرال ديفيد بيترايوس أنه ينوي سحب"الزيادة الأولى في عدد القوات" من العراق هذا الشهر. كما أوصى بإعادة أول لواء مقاتل إلى الوطن في ديسمبر المقبل، على أن يتبع ذلك عودة أربعة ألوية مقاتلة على مدى الثمانية شهور التالية، ولكنه أجل مع ذلك اتخاذ أي قرار بشأن القوة الأساسية البالغ قوامها 130 ألف جندي حتى مارس المقبل. وفي معرض الدفاع عن وجهة نظره بشأن الانسحاب، استشهد بيترايوس بجوانب التحسن التي طرأت على قوات الأمن العراقية، وبالتعاون من جانب شيوخ العشائر السنية في الأنبار، والنجاحات التي تحققت في المواجهات مع المتطرفين وأعضاء تنظيم "القاعدة" في بلاد الرافدين. وقد لوحظ أن المشرعين سواء الذين عارضوا ملاحظاته، أو الذين أيدوها، قد ركزوا في الحالتين على تلك المتغيرات الاستراتيجية التي تمت في العراق. بيد أن الشيء الذي غاب عن السجال المتعلق بالانسحاب مع ذلك، هو أن الدافع لذلك الانسحاب لا يرجع إلى الأحوال السائدة في العراق، أو إلى قواعد اللعبة السياسية في الولايات المتحدة بقدر ما يرجع إلى الحقائق الصلبة المتعلقة بجاهزية قوات الجيش والمارينز. فتمديد دورة الخدمة البالغة 15 شهراً بسبب عدم قدرة الجيش والمارينز على إيجاد العدد اللازم من الجنود لاستبدال زملائهم الموجودين في العراق لا يمكن أن يعني سوى أن الانسحاب هو الجانب الآخر والحتمي لسياسة الزيادة في أعداد القوات. على ضوء هذه الحقيقة يمكن القول إن تخفيض عدد القوات الذي دعا إليه "بيترايوس" لا يمثل مفاجأة خصوصاً إذا ما تذكرنا أن الجنرال "جون أبي زيد" القائد السابق للمنطقة المركزية المسؤولة عن القوات الموجودة في الشرق الأوسط، قد هيأنا لذلك الاحتمال عندما تم استجوابه بشأن"الزيادة في عدد القوات" من قبل لجنة القوات المسلحة بمجلس النواب الأميركي الخريف الماضي فكان جوابه:"نستطيع أن نضع 20 ألف جندي إضافي في العراق غداً ونحقق تأثيراً مؤقتاً... ولكننا لن نتمكن من الاستمرار في الاحتفاظ بهذا العدد لسبب بسيط هو أن حجم قوات الجيش والمارينز في العراق سيكون قد وصل إلى أقصى حد يسمح به العدد الإجمالي الحالي الموجود في الخدمة في القوات المسلحة الأميركية برمتها". وهنا قد يقفز إلى الذهن سؤال هو:"هل من المعقول أن دولة يبلغ تعداد سكانها 300 مليون نسمة، ويصل ناتجها القومي الإجمالي إلى 13 تريليون دولار، وتبلغ ميزانيتها الدفاعية 600 مليار دولار، غير قادرة على تجميع 30 ألف جندي إضافي، وإدامتهم لعام كامل؟ إجابة هذا السؤال تنبني على نقطة أساسية وهي أن القادة المسؤولين عن قواتنا المسلحة وهم الرئيس، ووزير الدفاع، والكونجرس، قد رفضوا على مدار الأعوام الستة الماضية( كما رفض سابقوهم من قبل) أن يجندوا، ويدربوا، ويجهزوا المزيد من القوات. فحتى بعد اتخاذ القرار بمهاجمة العراق، فإن تلك القيادة أهملت الاضطلاع بواجبها في زيادة عدد القوات المطلوبة، واستمرت في ذلك حتى أصبح الوقت متأخراً جداً لتوفير تلك الزيادة. الأسباب التي دعت لذلك متنوعة ومعقدة في الآن ذاته. فالأوهام الخاصة بإمكانية تحرير العراق من خلال حرب قصيرة، والإصرار العنيد على تجاهل التمرد المتزايد، أدى إلى حجب الرؤية عن العديد من القادة السياسيين.. علاوة على ذلك نجد أن نظام القيادة الذي يفصل المسؤولية عن تخطيط العمليات عن المسؤولية عن توفير المزيد من القوات، قد أدى إلى نوع من الخطط غير المقنعة والتي لا يمكن تبريرها، كما أدى كذلك إلى أخطاء فادحة في تقدير حجم الموارد المطلوبة. وفي غيبة إعلان رسمي للحرب، لم يكن أمام الرئيس سوى الإعلان عن عملية تعبئة جزئية- وليس كلية- للقوات المسلحة في أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وهو ما أدى عملياً إلى الحد من القدرة على الاستعانة بآلاف من الجنود التابعين للحرس الوطني والمارينز(الذين لا يتم الاستعانة بهم سوى في حالات التعبئة الكلية). وهناك عدد من الخطوات التي يتم اتخاذها لمعالجة مثل هذه المشكلات منها على سبيل المثال تلك الدراسة التي صدر تكليف من الكونجرس بإجرائها عن دور قوات الاحتياط والحرس الوطني والكيفية التي يتم تجنيد تلك القوات بها.. ومنها أيضا التكليف الصادر من الرئيس والكونجرس أيضا للجيش، وقوات المارينز بالعمل على زيادة عدد قواتيهما بمقدار 57 ألف جندي- وإن كان الخبراء يتوقعون أن يستغرق ذلك بعض الوقت. يجب علينا في هذا المضمار أيضا التمعن في طبيعة العلاقة بين أفرع القوات المسلحة الأميركية، وبين قيادات الوحدات المقاتلة، وقيادة الأركان المشتركة. فعندما تكون الصراعات صغيرة ومحصورة في نطاق محلي ضيق، فإن الخيار الأفضل هو أن يتم تعيين قادة مقاتلين ورؤساء قوات يرفعون تقاريرهم بشكل مباشر ومستقل إلى وزير الدفاع. أما عندما نخوض حربا كونية فإن السياسة الأكثر فعالية هو أن يكون لدينا رئيس لهيئة الأركان المشتركة ليكون مسؤولاً عن الجوانب المتعلقة بخوض الحرب وفي نفس الوقت عن الجوانب الخاصة بصنع القرارات العملياتية حتى يمكن التوفيق بين خطط واستراتيجيات ميادين القتال، وبين الموارد المتاحة والعكس صحيح. بصرف النظر عن نجاح أو فشل استراتيجية زيادة عدد القوات، فإن الانسحاب من العراق غدا الآن أمراً لا يمكن تجنبه. ونظراً لأن القوات والقادة الموجودين هناك يجاهدون من أجل العثور على طريقه عملية لتحقيق أهدافنا وسط الحقائق القائمة على الأرض هناك، فإن أفضل وسيلة أرى أنه يمكن لنا مساعدتهم بها هي توسيع نطاق، وإعادة هيكلة قواتنا المسلحة بحيث يمكن اتخاذ القرارات المستقبلية المتعلقة بالمعارك الأطول مدة، والأكثر تعقيداً وفقاً لمزاياها الاستراتيجية من دون أن تعوقنا عن ذلك محددات قد تختلف طبيعتها من وقت لآخر. جراهام أليسون ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المساعد السابق لوزير الدفاع الأميركي، ومدير مركز "بلفر" للعلوم والشؤون الدولية في كلية كنيدي للإدارة الحكومية- جامعة هارفارد ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ كيفين رايان ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ عميد أميركي متقاعد وزميل رئيسي في مركز "بلفر" ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"