لن أكون بعيداً عن المنطق والعقلانية، إذا ما قلت إنه لا شيء يدعو للاهتمام الزائد المُثار حالياً في الأوساط السياسية والإعلامية والمهتمين والمراقبين للشأن الإيراني على وجه الخصوص حول فوز هاشمي رفسنجاني، بمنصب رئيس مجلس الخبراء في إيران. ورغم أن الضجة الإعلامية الخارجية في كل ما يخص الشأن السياسي الإيراني أمر متوقع، خاصة ما يتعلق بطبيعة العلاقة التقليدية بين "المحافظين" و"الإصلاحيين"، فإن الخبرة في تلك العلاقة تتطلب الإدراك الواعي من قبل المراقبين بأن أي إجراء عن حصول تطور سياسي في إيران بعيداً عن القوة المهيمنة فعلاً، أي بعيداً عن المرشد الأعلى للثورة، هو أمر غير قابل للتصديق مباشرة والقبول به من الوهلة الأولى، لأن تطورات الأوضاع السياسية في الداخل الإيراني لها حساباتها، التي لا تختلف عن حسابات أي دولة أخرى في مسألة توزيع الأدوار. إن فوز رفسنجاني تصعب قراءته بمعزل عن بقية التفاعلات التي تخص الشأن الإيراني، داخلياً وخارجياً. وما يهم مختلف قادة النظام الإيراني في الوقت الراهن، هو محاولة كسب الوقت وتفادي أي ضربة عسكرية تنوي الولايات المتحدة توجيهها إلى إيران، ومحاولات كسب الوقت تتطلب توزيع الأدوار وإطلاق إشارات أمل تدعم موقف دعاة الحوار مع طهران في الغرب، ولو حتى إلى أوائل العام المقبل، وتحديداً حتى ينشغل بوش وفريقه في انتخابات الرئاسة المقبلة المقررة إجراؤها في عام 2008. كل الدلائل والمؤشرات في التاريخ الإيراني منذ عام 1979، تؤكد أن فوز "إصلاحي" أو "محافظ "بمنصب سياسي كبير في إيران لا يعني تراجعاً عن مبادئ الثورة أو الانقلاب عليها أو حتى نصراً سياسياً على تيار "المحافظين"، فكلهم يتبنون نهجاً واحداً مع اختلاف أدوات التعبير، فهم جميعاً أبناء الثورة الحريصون عليها. كما أن كل الدلائل والمؤشرات تؤكد أيضاً أن مرشد الثورة الإيرانية هو من يمسك بكل الخيوط ويحركها كيفما يرى حاجة الدولة الإيرانية نحو مخاطبة الخارج كي تتلاءم مع المتغيرات الخارجية. وطبقا للعديد من الروايات السياسية هناك من يرى أن صعود أحمدي نجاد كان مخططاً له، وأن العمل الحقيقي للبرنامج النووي تم في عهد رفسنجاني ثم خاتمي، وإنما لحظة الإعلان كانت تحتاج لشخصية ثورية مثل نجاد.... وهذا ما تم. المهم ألا ننسى كمراقبين أن المرشد الأعلى هو المهندس الأساسي للنظام الإيراني، أما ما يتردد الآن من إمكانية أن يُحدث رفسنجاني انقلاباً سياسياً في مراقبة عمل المرشد كما يتوقعه بعض المحللين، فإن في الأمر نظر. الذي فعله، المرشد الأعلى، ما هو سوى محاولة لنزع فتيل التوتر في الداخل الإيراني وخارجه، ورفسنجاني ما هو سوى محاولة جديدة بعد أن فشلت المحاولات الإيرانية السابقة لتهدئة المساعي الأميركية لتوجيه الضربة، ولذا يجب علينا قبل الحكم على المشاهد الإيرانية المرئية، أن نتذكر ما كان عليه عهد الإصلاحيين، رفسنجاني ثم خاتمي، فهم يختلفون مع "المحافظين" في البرامج السياسية التي يطرحونها من حيث نبرة الخطاب وممارسة الدبلوماسية، ولكن الأهداف الإيرانية هي نفسها منذ الثورة والخطط الاستراتيجية، مثل البرنامج النووي والموقف من عملية السلام والخلافات الإقليمية، لا يمكن أن تتغير بتغير الأشخاص، هاشمي رفسنجاني وخاتمي لا يختلفان عن أحمدي نجاد سوى في استخدام المفردات، ولكل واحد منهم مرحلته ودوره بل وتوقيت صعوده على المسرح السياسي الإيراني. ليس من البساطة أن نقرر أن فوز رفسنجاني كان نتيجة لقبوله من أعضاء مجلس الخبراء، وأن هذا الفوز جاء بعيداً عن موافقة ودعم المرشد، أو أن السجل السياسي لرفسنجاني وحده هو الذي أوصله إلى هذا المنصب. الأمر حتماً لا يخلو من أن يكون ورقة جديدة في مرحلة جديدة.