من بين الهيئات والمؤسسات العديدة المكونة لمجلس التعاون الخليجي، تحتل الهيئة الاستشارية، والتي شُكلت بقرار من المجلس الأعلى أهمية خاصة، ليس لكونها تتناول قضايا مهمة فحسب، وإنما لقربها من الاهتمامات العامة المطروحة على جدول أعمال المجلس. يرجع ذلك أولاً إلى تشكيلة الهيئة ذاتها، إذ على الرغم من أنها معينة من البلدان الأعضاء بشكل متساو، فإنها تضم فئات تمثل كافة فئات المجتمع، فمن بين أعضائها، هناك رجال أعمال وأكاديميون ورجال دولة سابقون وتكنوقراط محترفون، مما يؤهلها للقيام بدور مميز في دراسة وتقييم الكثير من أوجه التعاون والتنسيق بين دول المجلس. حقيقة لا يقلل من أهمية الهيئة طبيعة تشكيلها، ففي السنوات الماضية تناولت في اجتماعاتها الدورية العديد من المسائل المهمة ذات الطابع العملي، والتي تصب لصالح دول المجلس مجتمعة، إذ بحكم تركيبتها وتنوعها، فهي على اتصال مباشر ويومي بقضايا المجتمعات الخليجية، وبالأخص الاقتصادية منها. من بين هذه الأمور التي تناولتها الهيئة وقدمت بشأنها اقتراحات محددة انتقال الأيدي العاملة بين دول المجلس وإشراك العاملين في غير بلدانهم في صناديق التقاعد والتأمينات الاجتماعية، حيث أدخلت على هذا الاقتراح تعديلات قبل إقراره، إلا أنه يعتبر خطوة كبيرة باتجاه توحيد سوق العمل الخليجي، والذي يمكن أن يساهم في حل بعض الإشكالات التي تعاني منها أسواق العمل الخليجية. مسألة أخرى ذات طابع تنموي وهيكلي تناولتها الهيئة تتعلق بتطوير دور القطاع الخاص في دول المجلس، فبعد ثلاثة عقود من التنمية السريعة حدثت تغيرات هيكلية شاملة في الاقتصاديات الخليجية، يأتي في مقدمتها التغيرات في صناعة النفط وإقامة بنى أساسية متطورة وكذلك تغير طبيعة ودور وأنشطة القطاع الخاص في هذه البلدان، هذا الدور الذي اقتصر على التجارة بصورة أساسية حتى منتصف السبعينيات وقبل قيام المجلس بفترة قصيرة. أنشطة القطاع الخاص في الوقت الحاضر عديدة ومتنوعة وتشمل قطاعات اقتصادية متنوعة، فبالإضافة إلى التجارة، طور القطاع الخاص مساهماته في القطاع المالي والصناعي والخدمات والاتصالات والمواصلات، بحيث أصبحت أنشطته محركا أساسيا للاقتصاديات الخليجية المعتمدة منذ أربعة عقود على السيولة التي تضخها الدولة من خلال الموازنة السنوية والمعتمدة بدورها على عائدات النفط. هذه الصورة كانت ماثلة أمام أعضاء الهيئة الاستشارية عند مناقشتهم لتطوير الدور التنموي للقطاع الخاص، حيث قدموا مقترحات محددة حول ذلك، إلا أن تطبيقاتها بحاجة لتغييرات اقتصادية هيكلية، وهو ما يتطلب تغيير بعض القوانين واللوائح التي طبقت خلال الفترات السابقة والتي أوجدت فواصل ما بين أنشطة القطاعين العام والخاص. مرئيات الهيئة في هذا الجانب جاءت في الوقت الذي ينشط فيه التعاون والتنسيق بين رجال الأعمال الخليجيين، وذلك بعد أن وفرت القرارات التي اتخذت خلال السنوات العشر الماضية تسهيلات لانتقال الاستثمارات ورؤوس الأموال بين دول المجلس. يبدو أن هذه التغيرات الهيكلية لا زالت بحاجة لبعض الوقت، إذ لا يكفي أن يقوم ممثلو رجال الأعمال داخل الهيئة الاستشارية بالدعوة إلى تنمية دور القطاع الخاص في التنمية، انطلاقاً من الظروف الاقتصادية الموضوعية وتنفيذاً لبند في الاتفاقية الاقتصادية الموحدة يدعو لتطوير الدور التنموي للقطاع الخاص. دور الهيئة يقتصر حتى الآن على دراسة وتقديم رؤيتها للمسائل المدرجة على جدول أعمالها، وذلك بطلب من المجلس الأعلى، أي أنها لا تقوم بعد ذلك بمتابعة عملية التطبيق بعد إقرار المجلس الأعلى لتوصياتها، والتي تتحول إلى الهيئات والمؤسسات التنفيذية والتي ربما تعيد النظر فيها بسبب وجود بعض الصعوبات الفنية أو القانونية التي تحول دون عملية التنفيذ، علماً بأن الأمر يتطلب إعطاء مثل هذه القرارات أولوية وتعديل اللوائح التي ربما تتعارض معها، خصوصاً وأنها صادرة عن أعلى هيئة في المجلس وبإجماع كافة الأعضاء وهو ما يتطلبه اتخاذ أي قرار بين دول المجلس، كما تنص على ذلك اللائحة الداخلية لمجلس التعاون. ربما يكون لمشاركة الهيئة في الاجتماعات الوزارية دور، ليس في متابعة القرارات المتخذة فحسب، وإنما في الإطلاع عن قرب على العوائق والصعوبات التي تحول دون تنفيذ توصياتها، مما يتيح لها المساهمة في تذليلها والاستفادة منها في وضع توصياتها المستقبلية والتي تشكل أهمية استثنائية لعمل المجلس بشكل عام ولتكامل الاقتصاديات الخليجية على وجه الخصوص.