ظهرت في الآونة الأخيرة العديد من التجاوزات في سوق الإيجارات بالدولة، كما ظهرت في الوقت نفسه ثغرات متعدّدة تستدعي وقفة جادة لإعادة تنظيم هذا السوق، الذي ينتظر دخول المزيد من الوحدات العقارية الجديدة خلال المرحلة المقبلة، والتي تقدّر بنحو 50 ألف وحدة سنوياً خلال الأعوام الثلاثة المقبلة. ومع هذه الزيادة الكبيرة، التي ستدفع السوق تدريجياً نحو النضج والتوازن التلقائي، فلابدّ من وجود هيئة حكومية تعمل على تأسيس أفضل الممارسات في هذا السوق والعمل على تطبيقها، بما يخدم مصالح الأطراف جميعها ذات الصلة. بحسب ما تناقلت بعض وسائل الإعلام المحلية والأجنبية، مؤخراً، فإن دبي تتجه لسنّ لوائح جديدة تحتّم على أصحاب العقارات، اعتباراً من العام المقبل، الحصول على تصاريح حكومية قبل تأجير عقاراتهم، وأن يقوموا بتسجيل أي عقد إيجار يتم إبرامه مع المستأجر، بالإضافة إلى فرض بعض القيود الأخرى مثل العدد المسموح به للمستأجرين في الوحدة الواحدة. لاشكّ في أن مثل هذه الخطوات ستتيح فهماً أكبر لسوق الإيجارات المزدهر، في ظلّ غياب الإحصاءات والأرقام الدقيقة والدراسات العقارية المتخصّصة حول هذا السوق الذي لا يزال الغموض أحد أهم سماته، ما يجعل الحديث عن مستقبل هذا السوق ضرباً من التخمين. إلا أن سوق الإيجارات لا يزال يعاني ثغرات عديدة، كما أن تحديد سقف الزيادة السنوية في الإيجارات بنسبة محدّدة لم يمنع الملاّك من رفع الإيجار بأكثر من ذلك من خلال تغيير المستأجر، حيث يرفض العديد من أصحاب العقارات تجديد العقود، ما أوجد نوعاً من عدم الاستقرار في أوساط المستأجرين. فالقوانين ذات الصلة بالشأن العقاري المعمول بها تعاني مشكلات أثناء التطبيق، ما يحتّم ضرورة تعديلها بما يتناسب مع المستجدات وبما يخدم مصالح المؤجّرين والمستأجرين ويحفظ حقوق الأطراف كافة. إن التطبيق الحاسم لقانون الإيجارات في أبوظبي عبر الأحكام القضائية التي أصدرتها وطبّقتها لجنة فضّ المنازعات الإيجارية بتخفيض الزيادات غير القانونية للإيجارات والتي وصلت في بعض الحالات إلى نسبة 200% خلال الفترة الماضية من هذا العام، قد دفع إلى لجوء العديد من الملاّك والمستثمرين ومكاتب العقارات إلى الالتفاف حول هذا القانون وإزعاج المستأجرين والضغط عليهم من خلال جملة من الوسائل، مثل فصل الكهرباء والمكيّفات أو الصيانة أو تعطيل المصاعد، أو إغراء المستأجرين بمبالغ تصل إلى 20 ألف درهم لإخلاء الشقق السكنية، أو ابتداع حيل أخرى مشفوعة بتصاريح من البلدية لإجراء تحسينات أو تعديلات أو تغيير نشاط البناية، وكل ذلك بهدف إخلاء البنايات تمهيداً لإعادة تأجيرها بقيمة مضاعفة. كل ذلك يحتّم ضرورة اتخاذ الخطوات اللازمة لتنظيم سوق الإيجارات المزدهرة، وإيجاد هيكل تنظيمي مستقل يهدف إلى الوصول بهذا السوق إلى تطبيق ممارسات سليمة ومتوازنة، كما أن هناك ضرورة لوضع عقد موحّد يحدّد العلاقة الإيجارية بين المؤجّر والمستأجر، في ظلّ مؤشر موحّد للقيمة الإيجارية حسب المنطقة والمساحة والمواصفات الفنية للوحدات السكنية، بالإضافة إلى مراجعة نسبة الزيادة السنوية بصفة دورية من قبل لجنة متخصّصة تمثّل مختلف الأطراف ذات العلاقة، بالإضافة إلى دراسة إمكانية طرح عقود إيجار طويلة الأجل لا تقلّ عن ثلاث سنوات في محاولة لتحقيق الاستقرار في أسعار الإيجارات المتزايدة، مع ضرورة تشديد الرقابة على سوق الإيجارات والتزام الملاّك ومكاتب الوسطاء بالتشريعات واللوائح المنظّمة لعمل هذا السوق، ومنع المضاربين والسماسرة من التأثير سلباً في السوق. عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتجية