عم الذهول الولايات المتحدة بأسرها في الأول من أغسطس الماضي عندما انهار جسر رئيسي يمر فوق نهر المسيسيبي في مدينة "مينيابوليس" بولاية مينوسوتا في ساعة ذروة مرورية، ما أدى إلى سقوط عشرات السيارات في النهر. وفي الوقت الراهن تعمل وزارة المواصلات الأميركية بشكل وثيق مع"مجلس سلامة المواصلات الوطني" لتحديد الأسباب التي أدت إلى سقوط الجسر، علما بأن هناك مناقشة وطنية قد بدأت عقب المأساة- كان لا بد لها أن تتم بخصوص حالات الجسور والطرق السريعة في الولايات المتحدة والأساليب المستخدمة في بنائها وصيانتها وتشغيلها. وقد انتهز الكثيرون، ومنهم كاتب افتتاحية "الواشنطن بوست" في الحادي والعشرين من أغسطس الماضي، هذه الفرصة للمطالبة بزيادة الضرائب على الجازولين، وبدور فيدرالي أكبر في القرارات المتعلقة بالاستثمار في مجال المواصلات. بيد أنني أرى أن هذه الاستجابة وما شابها- ولأسباب متنوعة يضيق المجال عن ذكرها- تفاقم من أسباب الفشل في نظام مواصلاتنا الوطني بدلاً من أن تزيلها. فمن بين الأسئلة الأكثر جدارة بالطرح من السؤال المتعلق بما إذا كانت ضريبة الجازولين المفروضة كافية أم لا، ذلك السؤال المتعلق بالأشياء التي يمكن لدافع الضرائب الأميركي أن يستفيد منها إذا ما قمنا بتوسيع نطاق اعتمادنا على ضريبة الجازولين. والإجابة المتوقعة على هذا السؤال أن زيادة الضرائب على الجازولين ستؤدي بشكل يكاد يكون مؤكداً إلى رفع أسعار الوقود بعامة، وإلى المزيد من الاختناقات المرورية والمزيد من الركود في نوعية الحياة التي يحياها هذا المواطن الأميركي، وهو ما يبرر لي القول إن النصيحة الواردة في افتتاحية "الواشنطن بوست" بشأن زيادة الضريبة على الجازولين ليست في محلها الصحيح. إن السبب فيما يلحق بنظام مواصلاتنا من فشل، هو أن حصيلة ضرائب الجازولين يتم إيداعها في صندوق مركزي يتم استخدام موارده وتخصيصها وفقا لأجندات سياسية. والذي يتم في معظم الحالات، هو أن القرارات الرئيسية الخاصة بالإنفاق لا يكون لها علاقة بالحقائق الاقتصادية والهندسية الجوهرية أو حتى باحتياجات المستهلكين. ومما يلاحظ بالنسبة لهذا الموضوع أيضاً أن المخصصات المالية للبرامج والمشاريع الجديدة"المدللة" من قبل بعض الجهات والولايات قد تزايدت بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة. فمشروع قانون تمويل المواصلات لعام 2005 على سبيل المثال تضمن ما يزيد عن 6000 مخصص فرعي مدفوع بأسباب سياسية تبلغ في مجملها كما جاء بالأنباء 24 مليار دولار، وهو رقم مذهل في حد ذاته. ولسوء الحظ ،فإن الرقم الحقيقي لتلك المخصصات قد يتجاوز هذا الرقم بكثير، لأن المعروف هو أن المخصصات لا تمثل سوى شريحة من التكلفة الحقيقية للمشروعات في الحقيقة.وبالإضافة لكونها ستؤدي إلى تشجيع الإنفاق غير الرشيد، فإن ضريبة الجازولين تكاد لا تساهم بشيء في التخفيف من حدة الاختناقات المرورية على الطرق الخارجية السريعة كما تبين من خلال تجربة الخمسة وعشرين عاماً الأخيرة. فتلك الضريبة يتم تحصيلها بصرف النظر عن مدة قيادة الناس لسياراتهم، والأماكن التي يقودونها فيها، مما يؤدي لخلق انطباع خاطئ لدي الكثيرين بأن استخدام الطرق السريعة "مجاني". ويؤدي هذا إلى تشجيع السائقين على إساءة استخدام تلك الطرق من ناحية، كما يقود من ناحية أخرى إلى زيادة الاختناقات المرورية في الطرق السريعة، خصوصاً في الأوقات التي نكون فيها في أشد الاحتياج إلي استخدام تلك الطرق. وقد نشر "مكتب المساءلة الحكومية" تقريراً الشهر الماضي جاء فيه أن ضرائب الجازولين غير قادرة من حيث الجوهر على تحقيق التوازن بين العرض والطلب على الطرق خلال ساعات الذروة. ويرى مكتب المساءلة الحكومية كما يرى أي خبير من الخبراء الذين درسوا هذه المسألة، أن فرض رسوم مباشرة مقابل استخدام تلك الطرق، أي جعل مستخدميها يدفعون رسوماً مقابل ذلك بنفس الطريقة التي يدفعون بها رسوماً للاستفادة من المرافق الأخرى يحمل في طياته إمكانيات أكبر كثيراً لحل مشكلة الاختناق المروري أكبر مما تحمله في طياتها كافة ضرائب الجازولين التقليدية. وبفضل التقنيات الحديثة التي ألغت الاحتياج إلى وضع أكشاك على الطرق لتحصيل الرسوم، فإن هذا المفهوم الخاص بدفع رسوم لاستخدام الطرق، بدأ ينتشر على نطاق واسع في مختلف أنحاء العالم. وهذه الطريقة تحمل في طياتها أيضاً احتمالات هائلة لتحصيل عوائد هائلة لإعادة استثمارها في تخفيف الاختناقات المرورية، وهو ما يسمح في نهاية المطاف للقادة السياسيين بتقليص الاعتماد على مجموعة كبيرة من الضرائب المفروضة على أنواع الوقود المختلفة، أو الضرائب على المبيعات، والضرائب العقارية،أو حتى إلغاء تلك الضرائب غير الفعالة. ما أود قوله في نهاية المطاف هو أن زيادة الاعتماد على عوائد ضريبة الجازولين لتحسين وصيانة نظم مواصلاتنا، في نفس الوقت تقريباً الذي نسعى فيه جاهدين للتخفيف من استهلاكنا من البترول، والترويج لإنتاج واستخدام أنواع الوقود البديلة يعد نوعاً من الشيزوفرينيا السياسية لأنه من المفهوم أن نجاح سياسة واحدة من تلك السياستين سوف يعني بالضرورة فشل الأخرى. لذلك وبدلاً من زيادة نوع من أنواع الضرائب غير الفعالة، فإننا بحاجة إلى نهج جديد يعتمد على البيانات ويركز على الأداء من أجل إنشاء وصيانة بنية مواصلاتنا. كما سنحتاج أيضاً إلى نموذج مالي أساسي وشامل لديه القدرة على الاستجابة لتحديات اليوم والغد، وليس إلى مجرد ردود أفعال سياسية غير متروٍ بشأنها جيداً ولا تحل الأزمات بقدر ما تؤدي إلى تفاقمها. ماري بيترز ــــــــــــــــــــــــــــــــــ وزيرة المواصلات الأميركية ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"