سواء كنا مواطنين أميركيين أم مواطنين عالميين، فإنه يمكن القول إننا نعيش عصراً ذهبياً. والسبب هو النمو القوي للاقتصاد العالمي، بينما تمكن المحافظة على معدل النمو الحالي هذا، فيما لو تمكنا من احتواء المهددات الأمنية. والمقصود بالنمو الاقتصادي القوي، هو تزايد استهلاك المجتمعات للطاقة إلى حد يفوق فيه الطلب كثيراً حجم العرض مع معقولية السعر. وتثير هذه الملاحظة سؤالين رئيسيين أولهما: كيف يمكننا استهلاك الطاقة دون أن ننتج المزيد من الغازات المسببة للاحتباس الحراري، التي تنجم عنها تداعيات كارثية مضرة بالمناخ العالمي كله؟ وثانيهما: كيف يمكن لنا خفض مهددات أمننا القومي الناجمة عن اعتماد بلادنا على صادرات النفط الأجنبي؟ وكما نعلم فإن المشكلة التي تسببها الغازات المسببة للاحتباس الحراري، قد أصبحت معترفاً بها اليوم أكثر مما كان عليه الحال لحظة التفاوض على بروتوكولات معاهدة "كيوتو" للتغير المناخي. والأكثر من ذلك أن الحاجة قد تنامت أكثر من ذي قبل لإبرام معاهدة جديدة، طالما أن بروتوكولات معاهدة "كيوتو" قد وجدت طريقها سلفاً إلى التنفيذ والتطبيق. والمطلوب من هذه المعاهدة الجديدة أن تكون لها بنية مختلفة، بحيث تمكنها من تحقيق قدر من الشمول والعالمية في نهاية الأمر. وكما نذكر فقد واجهنا خطر تآكل طبقة الأوزون إبان إدارة رونالد ريجان. وقد انتهت المفاوضات التي جرت بشأن تلك المشكلة عن إبرام بروتوكولات مونتريال. وفي الحقيقة فقد كانت المشكلة المناخية هذه أقل تعقيداً مما هي عليه مشكلات اليوم. ومهما يكن فإن هناك نقاط تواز وتقاطعات وعدة دروس يمكن تعلمها والاستفادة منها إلى أقصى حد ممكن. من بينها على سبيل المثال، أن مستويات خفض تآكل طبقة الأوزون التي طولبت بها الدول الموقعة على بروتوكول مونتريال كانت عالية جداً، غير أنها واقعية في ذات الوقت، ويمكن تنفيذها دون أن تلحق أضراراً اقتصادية فادحة بالدول الملتزمة بها. والسبب هو أن ارتفاع الطلب فرض على الصناعات الخاصة إنتاج المزيد من المواد الكيمائية والمعدات اللازمة لوقف ذلك التآكل. ولما كنا نحن في الولايات المتحدة، على أتم الاستعداد لاتخاذ خطوات عملية في ذلك الاتجاه، فقد كنا قادرين على مطالبة الآخرين بأن يحذو حذونا. أما الدول التي تتسم بتدني دخول الأفراد نوعاً ما، فقد كانت جزءاً من البروتوكول ولم تستثن من العملية برمتها. ولذلك فقد عوملت معاملة خاصة فيما يتعلق بالقوانين واللوائح التجارية وإنشاء صندوق مالي لمساعدتها في الوفاء بالتزاماتها. فما الذي يمكن أن نتعلمه من هذه التجربة؟ فيما يلي بعض المبادئ العامة المرشدة: أولها: أن تلك العملية قد أفادت كثيراً من قوة القيادة الأميركية، سواء كانت على المستوى العلمي أم الأخلاقي أم الدبلوماسي. صحيح أن شخصيات مثل جون نيجروبونتي الذي يتولى مهام نائب وزير الخارجية الآن، قد ووجه بمعارضة داخلية حينها، وأنه كان هناك الكثير من الشكوك حول حقيقة المشكلة المناخية نفسها، وفي مدى معقولية الحلول الممكنة لها وواقعيتها. لكن وفي كل المواقف الحاسمة كان الرئيس رونالد ريجان حاضراً دائماً لدعمنا ومساعدتنا على تجاوز العقبات والمصاعب. وبما أنه مهد الطريق وأطلق على العملية كلها تسمية "الإنجاز العملاق" فما كان من الكونجرس إلا أن باركها وصادق عليها. ثانياً: لابد من شمول وعالمية أي اتفاق أو معاهدة جديدة معنية بحماية المناخ العالمي، أي أن تمثل جميع بلدان العالم وتشارك في طاولة المفاوضات التي تجرى بشأنها. ويقيناً فإن هناك تفاوتاً كبيراً في المصالح والقدرات بين الدول المشاركة. ولكن لابد من توفر سعة الصدر والمرونة باعتبارهما عاملين رئيسيين لنجاح أي عمل جماعي بهذا الحجم. كما يتعين علينا التركيز بدرجة أكبر على الدول الأكثر حماساً واهتماماً، إلى جانب سعينا لاكتشاف المصالح المشتركة، وكذلك معرفة نقاط الضعف المحتملة وخيارات التكيف الممكنة، إلى جانب الحرص على تبادل ما تحققه الدول من تقدم علمي تكنولوجي في الجوانب ذات الصلة بهذه العملية. ثالثاً: لابد من أن تشمل بنية العملية التفاوضية هذه، القواعد الشعبية الناخبة طالما أن عبء العمل سوف يقع في نهاية الأمر على هذه القواعد نفسها. وهذا ما يلزمنا بتفادي ما حدث في معاهدة كيوتو من قبل، مهما كانت التكلفة والثمن. وكما نذكر فقد كنا قد وقعنا على بروتوكولات تلك المعاهدة، بعد أن صوت مجلس الشيوخ بالإجماع على نصح الرئيس السابق بيل كلينتون بعدم إبرام أي معاهدة لا تشمل الدول النامية. والمقصود بهذا أن مفاوضنا كان منبتّاً عن قاعدته الشعبية الناخبة. رابعاً: لابد من استخدام المحفزات الاقتصادية مثل الحقوق التجارية وضريبة غاز الكربون ورسوم استهلاك الوقود الأحفوري وغيرها، في سبيل تفادي التكلفة الباهظة للسيطرة على الاستهلاك. وهذا ما يطالبنا بالأخذ بالمعايير الخاصة بخفض انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري، مع العلم أنها المعايير الناجمة عن التعاون بين "مجلس الاستثمار العالمي للتنمية المستدامة" و"معهد الموارد الدولية". وبموجب هذه المعايير، فإنه يجب عدم السماح لأي دولة من الدول بمزاولة النشاط التجاري في المواد والمنتجات ذات الصلة، دون أن يتوفر لها نظام شفافية موثوق به في مراقبة وقياس معدل انبعاث الغازات السامة هذه. وفي الغالب الأعم، فربما كان فرض الضريبة المباشرة على غازات الكربون هو الأبسط والأكثر عملية وقدرة على تحقيق الغاية المنشودة. وكما سبق القول، فإن في بروتوكول مونتريال نموذجاً يحتذى به في الإعداد لترتيبات دولية أوسع وأكثر شمولاً وحفزاً للخطوات في هذا الاتجاه. جورج شولتز وزير الخارجية الأميركي السابق 1982-1989 ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"