يعد الوضع الباكستاني جزءاً لا يتجزأ من التردي الأمني في أفغانستان، بما فيه عودة مقاتلي حركة "طالبان" واستقواء شوكتهم، إلى جانب اشتعال فتيل الإرهاب والتطرف الديني في إقليم كشمير المتنازع عليه بين نيودلهي وإسلام أباد، وكذلك استشراء موجة العنف والتطرف في المنطقة بأسرها. تلك هي مقدمة الدراسة التي أعدها "فريدريك جريري" الباحث الزائر بمؤسسة كارنيجي الوقفية للسلام الدولي. ويكتمل الجزء الآخر من المقدمة بقول الباحث إن السياساتِ الحاليةَ التي يتبعها الغرب إزاء باكستان لا تحقق شيئاً سوى تعميق الضعف السياسي الذي تعانيه باكستان، مما يعني المساهمة في زيادة القلاقل والاضطرابات الأمنية الإقليمية. ومن رأي الباحث أن هذه التداعياتِ تعد نتيجةً طبيعيةً ومنطقيةً لسماح الغرب لإسلام أباد وتشجيعه لها على مقايضة التحول الديمقراطي الذي هي في أمسِّ الحاجة إليه، بتعاونها معه على مكافحة الإرهاب. وطالما أن مطلباً حيوياً ولازماً مثل التحول الديمقراطي قد أخضع لتكتيكات المناورة والمساومة، فلا شيء يمكن توقعه سوى امتناع باكستان عن اتخاذ خطواتٍ جديةٍ باتجاه التحول والإصلاح السياسي، مما يقلل في النهاية من أهمية تعاونها المأمول في مضمار مكافحة الإرهاب. وتعد هذه الدراسة المتخصصة، تحليلاً معمقاً لتكلفة استمرار نظام الحكم العسكري في باكستان، مصحوباً باقتراحات وأجندة عمل للغرب في سبيل تغيير سياساته الحالية إزاء إسلام أباد. والفكرة الرئيسية التي يخلص إليها هذا التحليل هي أنه ربما تتعاون باكستان جزئياً مع الغرب في جهوده الرامية إلى مكافحة الإرهاب ومحاولة تجفيف منابعه في ذلك الجزء المضطرب من المنطقة الآسيوية، لكن المرجح أن تواصل باكستان سياساتِها الحاليةَ، في حال عدم حدوث أي تحول ديمقراطي وإصلاح سياسي جذري فيها، مما يعني استمرار الاضطرابات الأمنية والسياسية الإقليمية. وفيما يلي نلخص الاستنتاجين الرئيسيين اللذين خلصت إليهما الدراسة؛ وأولها أن للجيش الباكستاني يداً في تسعير نار الطائفية الدينية وزيادة حدة التطرف والعنف الدينيين خارج الحدود، لاسيما في أفغانستان وإقليم كشمير، خدمة لأهداف ومصالح تخصه وحده. وبسبب القلاقل التي تواجهها المنطقة، في ظل غياب أي بدائل عملية، فقد لوحظ ميل الغرب إلى تبني سياسة رخوة متساهلة إزاء النظام العسكري في باكستان، مع إضفاء صفة اعتدال متوهمة عليه أملاً في حفزه على التعاون مع الحرب ضد الإرهاب والتطرف الديني. أما الاستنتاج الثاني فيتلخص في أن دفع باكستان نحو التحول الديمقراطي وإحداث إصلاح سياسي حقيقي فيها، قوامه عودة نظام الحكم المدني، فمن شأنه أن يحد من هاجس "التهديد الهندي" لديها، فضلاً عن مساعدتها في تركيز كل اهتماماتها ومواردها على قضايا التنمية الاقتصادية والاجتماعية التي هي في أمسّ الحاجة إليها. لابد من تصحيح قنوات إنفاق إسلام أباد للمساعدات المالية المقدمة إليها، مقابل تعاونها مع الغرب في مكافحة الإرهاب. فهناك نحو 10 مليارات دولار تلقَّتها باكستان في شكل مساعدات مالية من الولايات المتحدة وحدها منذ 11 سبتمبر 2001 وإلى الآن، يلاحظ أن 900 مليون دولار منها فقط أنفقت على المشروعات التنموية، بينما استأثر الجيش بباقي المبلغ كله! وإنني لغني عن القول إن الهدف من وراء تلك المساعدات، ليس تعزيز الميزانية الدفاعية ولا تشديد القبضة الأمنية العسكرية على البلاد، بقدر ما هو متجه في الأساس إلى قضايا التنمية وحفز الإصلاح السياسي هناك. وبعد، فما هي استراتيجية وأجندة العمل الجديدة التي ينبغي على الغرب تبنيها إزاء باكستان؟ الإجابة باختصار- كما يقول المؤلف- هي أنه على الغرب أن يعمل أولاً على وقف أي انتهاك للدستور، بما في ذلك الجمع بين وظيفتي الرئيس والقائد الأعلى للقوات المسلحة، كما يتعين على الغرب أيضاً الضغط على النظام الحالي بهدف حمله على إجراء انتخابات عامة حرة ونزيهة، شريطة أن تجري تحت إشراف دولي. وفي الوقت ذاته لابد من العمل على منع تسلل الإرهابيين عبر الحدود الباكستانية إلى كل من أفغانستان وكشمير، مصحوباً بتدمير البنية التحتية للنشاط الإرهابي داخل الأراضي الباكستانية. كذلك على الولايات المتحدة أن تربط مساعداتِها الماليةَ لباكستان بمدى تعاون إسلام باد في مكافحة الإرهاب، على أن يتحدد حجم التمويل والمساعدات بما تحققه إسلام أباد من نتائج عملية في هذا المضمار، علاوة على ضرورة توجه السياسات الغربية ضد الجيش والنخبة السياسية القابضة. وتستهدف هذه السياسات حماية عامة المواطنين من استئثار هذين الطرفين بالمساعدات المالية المقدمة للبلاد. وأخيراً على الولايات المتحدة الكف عن تصعيد حملتها الحالية ضد التطرف الإسلامي في باكستان، بسبب سلبية النتائج التي أفضت إليها هذه الحملة، وعليها أيضاً أن تقلل من اعتمادها على الجيش الباكستاني، وإن ادعى هذا الأخير أنه أقوى ستار ضد التطرف الديني في المنطقة. والدراسة- كما وصفها مؤلفها- تقترح طريقاً وسطياً في تبني سياسات وأجندة عمل غربية بديلة إزاء باكستان، إلى جانب تناولها التحديات التي تخلقها للغرب السياسات الإقليمية للنظام العسكري الحاكم في إسلام أباد. وإذ تزعم الدراسة أن طبيعة ذلك النظام هي بحد ذاتها أهم مصدر للقلاقل والاضطرابات الأمنية الحالية، فهي تدعو إلى ضرورة عودة باكستان إلى نظام الحكم المدني واحترام الدستور وسيادة القانون. عبد الجبار عبد الله الكتاب: إعادة النظر في الاستراتيجيات الغربية إزاء باكستان: أجندة عمل للولايات المتحدة وأوروبا المؤلف: فريدريك جريري الناشر: مؤسسة كارنيجي الوقفية للسلام الدولي تاريخ النشر: 2007