مرة أخرى، تبرز العلاقة بين الإسلام والغرب مع صحفي سويدي يهزأ بالإسلام والمسلمين، ولعلنا نتذكر الأزمة مع بابا الفاتيكان منذ حوالي عام واحد، وقبلها أزمة أخرى بسبب الرسوم الدنماركية المهينة. ولو عُدنا بالذاكرة أكثر، يتراءى لنا الشريط الطويل للصراع بين الإمبراطورية العثمانية والإمبراطوريات الغربية خلال القرن التاسع عشر وحتى بداية الحرب العالمية الأولى. باختصار فالعلاقة بين الإسلام والغرب كانت في أغلب تفاعلاتها صراعية. لقد انتهت الجولة الرئيسية بهزيمة الإمبراطورية العثمانية، بل وتفككها، حيث ورثت الدول الغربية هذه التركة بناء على اتفاق سايكس -بيكو قبل نهاية الحرب العالمية الأولى في الوقت الذي كان فيه لورانس يخدع العرب بوعود كاذبة في الاستقلال. وذلك في الواقع هو جذر النظام الإقليمي العولمي الراهن. المواجهة في إطار الرسوم الدنماركية المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم، أثارت انفعالاتٍ وردودَ أفعال في أنحاء واسعة من الشارع العربي، كما تدخلت الحكومات أيضاً لتظهر كمدافع عن الإسلام حتى لا تتعرض لمزيد من النقد على أيدي شعوبها، لكن في النهاية خمد الموضوع، وهمدت أزمة العلاقة بين الإسلام والغرب ولم تُحل. الأزمة مع بابا الفاتيكان كانت مختلفة، لكنها انتهت تقريباً بنفس النتيجة: عدم المساس أو الحل. كانت الأزمة مختلفة لأن الرمز الذي فجّرها لم يكن فقط رئيس دولة، بل رمز السلطة الدينية في العالم المسيحي بأسره، وبالتالي فهو ذو تأثير معنوي ضخم في أنحاء العالم. وفي مواجهة ثورة العالم الإسلامي، عبّر البابا عن أسفه لإساءة فهم أقواله، لكنه لم يتراجع عنها أو حتى يعتذر، وفي النهاية أيضاً تم نسيان هذه الأزمة أو تناسيها، ولم تُحل وإنما تأجلت لتظهر لاحقاً. وهو ما يحدث الآن مع هذا الصحفي السويدي المغمور، وهو تتويج لحالات إهانة فردية كثيرة ضد المسلمين في أميركا وأوروبا، ولم تكن من الأهمية بحيث تجذب إليها أجهزة الإعلام... فما العمل إذن؟ يجب تجنب الانفعال أو المظاهرات الصاخبة في الشوارع أو الهجوم على سفارة السويد أو غيرها، فقد يحررنا هذا من طاقة الغضب التي تملأ صدورنا، ولكنه في النهاية لن يؤدي إلى نتيجة حاسمة، بل سيرسّخ في العقل الجماعي الغربي بعض تصورات سلبية عن المسلمين بوصفهم انفعاليين وعنيفين! كما يجب على الحكومات أن تمتنع عن التدخل في هذا الموضوع، وألا تطالب الحكومة السويدية بالاعتذار، فهو موضوع صحافة ومجتمع مدني قوي لا يستطيع رئيس الوزراء السويدي أو غيره من أعضاء الحكومات تقييده. في الواقع قد تكون الحكومة نفسها ضحية لمثل هذه السلوكيات من جانب المجتمع المدني أو أحد أطرافه، ولذلك فالتوجه بالاحتجاج ناحية الحكومة السويدية يثير الضحك والاستهزاء حتى من جانب المتعاطفين معنا أكثر مما يؤدي إلى حل الأزمة. وإذ يتعلق الموضوع أساساً بالمجتمع المدني، فإنه يجب حشد مجتمعنا المدني بجميع فروعه، ليس فقط عندنا ولكن داخل السويد وغيرها من الدول الغربية. قد تعلن شركاتنا الاقتصادية مثلاً تقليل الاستيراد والتصدير مع السويد، وقد يمتنع بعض طلابنا عن الذهاب إلى جامعاتهم، وقد يبحث مفكرونا موضوع "حرية الرأي" الذي تُصِمُّ به بعض الدوائر الغربية آذاننا، ومعرفة ما إذا كانت حرية الرأي والتعبير طليقة تماماً، أما أن لها حدوداً وقواعدَ كما هو الحال في قضايا تمس الجماعات اليهودية... وبالتالي يجب فضح ازدواجية المعايير والنفاق. حتى لا نكرر فشلنا مع الأزمات السابقة، فالمطلوب هو مواجهة الأزمة الحالية بعقلانية وضمن استراتيجية تقوم على الآتي: 1- عدم التركيز على الصحفي المغمور نفسه وتمكينه من نيل هدفه في تحقيق الشهرة عبر مهاجمة الإسلام، وإلا سنرى صحفياً ثانياً وثالثاً يتبعون الأسلوب نفسه. 2- مراعات السياق الاجتماعي الغربي وقيمه الرئيسية، حتى نستطيع استخدام الأسلوب الأمثل في محاورتهم، وإلا فسيكون أسلوبنا عديم الجدوى إن لم يكن نشازاً. 3- التنسيق مع الجاليات الإسلامية والعربية في الغرب، فهي خط الدفاع الأول. وبذلك ندخل مرحلة المواجهة الحاسمة لحل الأزمة، بدلاً من تناسيها وتأجيلها إلى أن تظهر في بلد آخر!