لا تزال الأسرة الإماراتية تعاني من جحيم ارتفاع الأسعار، والذي غطت حرارته على حرارة الصيف، حيث تحولت هذه المشكلة إلى همٍ كبير تعاني منه الأسرة الإماراتية، وخاصة من أصحاب الدخول المحدودة والفقراء. أصبح هذا الموضوع يمثل أزمة حقيقية، فهناك من يعاني عدم كفاية الراتب، ومن ليس لديه مقدرة على توفير مستلزمات البيت الأساسية، ومن طلبت منه زوجته الطلاق بسبب الحالة المادية التي وصل إليها. إن خطورة استمرار مثل هذا الارتفاع في السعر والغلاء الحاد، تكمن في الضغوط والآثار الاجتماعية والاقتصادية التي ستؤثر على الكثير من الحاجات المتصلة بحياة الإنسان الإماراتي، وعلى الإعانات الاجتماعية لذوي الدخل المحدود إذ لن تكفي لتوفير احتياجاتهم اليومية، وعلى منحة الإسكان التي لن تكفي لبناء سكن بسيط، وستكون لها أيضاً آثار مستقبلية خطيرة كما أشارت الدراسة المهمة التي أنجزتها غرفة تجارة وصناعة أبوظبي مؤخراً. وأهم تلك الآثار؛ عدم تمكن أسر إماراتية كثيرة من الادخار وانعكاس ذلك على ضعف الاستثمار التراكمي، ومنها ما ينعكس على الصحة وعلى إنتاجية الأفراد، وصعوبة قيام مؤسسات صغيرة ومتوسطة، وارتفاع نسبة الإفلاس في الشركات والأفراد، وارتفاع نسبة البطالة، ولجوء بعض الأسر إلى الهجرة، وزيادة نسبة الاقتراض من المصارف، وظهور مواد استهلاكية بديلة ذات جودة منخفضة وضارة بالصحة، ومشاكل اجتماعية أخرى كالبحث عن الكسب غير المشروع، وعجز الأسر على الوفاء بالمتطلبات الأساسية للأبناء، وزيادة نسبة الأمراض النفسية والتوترات العصبية وحالات الاكتئاب والإحباط التي تؤثر في الإنتاجية، وظهور ضغوط مادية ونفسية واقتصادية على الأفراد والأسر، وزيادة ساعات العمل لتوفير الحاجات الضرورية، والعزوف عن الزواج بسبب عدم القدرة على تحمل المصاريف والتكاليف مما يزيد من العنوسة والانحرافات الأخلاقية، ومشاكل أخرى كارتفاع نسبة الطلاق بسبب اضطراب الأوضاع المادية للأسر. والحقيقة أنه لا يمكن تبرير الارتفاع الحاد في الأسعار بما يحدث في العالم، وتطورات السوق العالمية فقط، دون أن نقول إن هناك أسباباً محلية لعبت دوراً في هذا الغلاء الفاحش؛ مثل تأثر الاقتصاد الوطني بتقلبات السوق العالمية لعدم قدرته على حماية نفسه بالاعتماد على الذات. وكذلك طرح مشاريع كبيرة دون دراسة دقيقة لحالة السوق المحلي ومدى قدرته على استيعابها. ومن تلك الأسباب أيضاً عدم وجود صناعة محلية قادرة فعلياً على تلبية احتياجات الدولة، فضلاً عن جشع التجار وتلاعبهم بالسوق. وكذلك ظهور طبقة جديدة من المحتكرين الأجانب الذين يستولون على كميات كبيرة من المعروض ثم يقومون بإعادة بيعها لتجار التجزئة بالشروط التي تناسبهم. وللتغلب على معضلة الغلاء نقترح بعض الحلول، تبدأ بوضع استراتيجية وقائية بعيدة المدى تتكيف مع كل المؤثرات المذكورة أعلاه. بما في ذلك توسيع دور الجمعيات التعاونية وإنشاء فروع لها في جميع مناطق وأحياء الدولة، وكذلك تكثيف مراقبة الأسواق يومياً لرصد أسعار السلع وتغيراتها، كما تتحتم زيادة المعروض من السلع الأساسية بالأسواق، وتفعيل دور جمعيات المستهلكين وإصدار قانون خاص لحماية المستهلك، ونشر ثقافة الوعي الادخاري عند الأسرة الإماراتية بمختلف الوسائل. وأخيراً مواجهة جشع التجار بإجراءات فعلية وقوية، لأن حرية السوق لا تعني تحويلها إلى فوضى يمارس من خلالها التجار ما يريدون، بل تعني حماية الناس من جشع التجار، وهذا ما قاله أحد رؤساء فرنسا عندما سئل عن أسهل تعريف لنظام السوق "الرأسمالية" فقال إنها غابة كبيرة، يفترس فيها الكبير الصغير والقوي الضعيف، ما لم يكن هناك الأسد، ويقصد به القرار الحكومي القوي الذي يحفظ حق المستهلك.