في كل مرة أريد أن أتناول فيها موضوع الردة يعتريني التردد، فكيف بمثلي أن يواجه جبلاً من فتاوى الفقهاء، ولكن كتابة أخي محمد عابد الجابري من أرض ابن بطوطة، دفع فيّ الحماس أن أطير حول الموضوع طيراناً. وأنا شخصياً كتبت بحثاً مطولاً على صورة مراسل صحفي من اليابان، حضر مؤتمراً لإسلام العديد من الشخصيات اليابانية، حتى اصطدموا بفكرة الردة، مما صدمهم! وقالوا لا يعقل أن نصنع سياراتنا وطرقنا السريعة باتجاه واحد لا رجعة فيها! والمقالة تشبه تلك التي تصورها الكواكبي عن اجتماع هام في أم القرى لدراسة حالة العالم الإسلامي، ويمكن أن أعرضها -مقالة مؤتمر اليابان- على من يريد الاطلاع، وفي نيتي أن أكتب كتابي في النقد الذاتي في جزئه الثاني، بعد أن مر الأول بعد حرب دامت ثلاثين عاماً، فأضمنه مثل هذه الأفكار المزلزلة، وهي ليست زلزالاً، بقدر تأسيس لفكر تجديدي لابد منه أمام زلزال الحداثة. وكلما نظرت في القرآن يعتريني العجب، كيف أن الله سمح للمخالف أن يعيش ويكفر كما يشاء، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، في الوقت الذي لا يسمح العالم الإسلامي إلا بالسير في طريق واحد بدون رجعة منه، على عكس طريقة اليابانيين في بناء طرق سريعة مزدوجة، وسيارات قابلة للعودة للخلف والسير للأمام، وفق قانون طبيعي لابد منه، ولكن جماعتنا هم ضد العقل والطبيعة، في رأس منكوس، وفهم مقلوب جداً. وفي الوقت الذي يسمح القرآن بالكفر ثلاث مرات بعد الإيمان؛ فإن فقهاءنا يسمحون له بالدخول إلى الإسلام، فإذا أراد الخروج خرج بدون رأس، والعالم الإسلامي اليوم بدون رأس! وأنا أعذر الجابري، وهو يتناول الموضوع بالآيات المشكّلة وبحذر مفرط، فأنا رجل حافظ لكتاب الله، اشتغلت عليه ثماني سنوات، وخريج كلية الشريعة مع الطب، أقولها ليس مفخرة، ولكن لطمأنة من سوف يفزعهم رأيي! "إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفراً لم يكن الله ليغفر لهم.." فمع أنهم كفروا ثلاث مرات وازدادوا كفراً، فلم يطير رؤوسهم مرة واحدة، ولو طارت مرة واحدة ما كفروا بالثانية... إن في ذلك لآيات! وفي الوقت الذي يعلن القرآن مبدأ "عدم الإكراه" وأن هذا هو الرشد، فإن فقهاءنا يرون أن من بدّل دينه يقتل، وهو يعني لو طبق حرفياً أن المسيحي الذي يعتنق الإسلام يقتل لأنه غيّر دينه، وهي نكتة لا يضحك لها أحد، فليقاتل في سبيل الله من آمن بحرية الاختيار، عبدة الطاغوت الذين يكرهون الناس على اعتناق وترك أديانهم بالقوة المسلحة، في فتنة أشد من القتل، ويخرجونهم من ديارهم... فهذا هو الجهاد! والواقع أن كل إشكالية هذا الموضوع تأتي من فهم منكوس للحديث وعدم وضعه في بانوراما عامة، وهو موضوع اشتغل عليه البوطي وعكف عليه آخرون لتخريج الأمر، وأن الإنسان لا يقتل من أجل رأيه مهما كان، بل من أجل الفتنة ورفع السلاح لإكراه الناس في الدخول في دين لا يريدونه، ومنه فإن الإكراه والفتنة لا يجعلان المؤمن مؤمناً ولا الكافر كافراً، وعليه سمح الإسلام التلفظ بالكفر تحت وطأة الإكراه لأنه ليس كفراً، والعكس بالعكس، لو أردنا إكراه أي إنسان على اعتناق ما لا يؤمن به، أي إنتاج المنافقين، فالمنافق هو من خشي من التصريح برأيه فيبطن الكفر ويظهر الإيمان، وهؤلاء من الملعونين في الدرك الأسفل من النار، ولا يريدهم المجتمع الإسلامي، ولذا تحدثت سورة البقرة في 13 آية عن المنافقين أكثر من الكافرين. ومقتل أهل عرينة والمرتدين وكل القصص الواردة، بما فيها قتال علي للخوارج، كلها تمت بسبب رفع السلاح... فهل نستوعب أن المجتمع الإسلامي هو ذلك الذي يهرب إليه الناس ولا يهرب منه الناس، كما في قصة سلمان رشدي التعيس، والأخرى السحاقية التي لا يحضرني اسمها... هل يمكن أن نسمح لكل الآراء بالحضور، ولو كانت آراء سلمان رشدي وتلك السحاقية..؟!