التصريحات الرسمية الوردية لم تكن غائبة عن بداية العام الدراسي الحالي، لدرجة أن الكثيرين اسبتشروا خيراً بأن تشهد مدارسنا عاماً دراسياً غير مسبوق من حيث النظام والانضباط، وأيضاً من حيث تفاعل الوزارة مع الميدان، ولكن بمرور الأيام، يتضح للمراقب أن هذه الأمنيات انطوت على قدر كبير من المبالغة وحسن الظن غير المبرر، وأن الواقع الميداني يختلف تماماً مع ما تنقله يومياً تصريحات مسؤولي وزارة التربية والتعليم ووعودهم وتأكيداتهم بأن كل الأمور تسير على ما يرام. الإشكاليات كثيرة، ولكن الأبرز منها يتعلق بموضوع صيانة المدارس ونظافتها، حيث ظهر بعض مسؤولي الوزارة في بدايات العمل الدراسي، مؤكدين محدودية عدد المدارس التي لم تزل تُجرى بها أعمال صيانة، وأن موضوع النظافة مسألة مفتعلة ترجع بشكل كبير إلى عدم تطبيق السلطات المخولة للقيادات المدرسية ضمن نهج الإدارة اللامركزية التي تتبعها الوزارة. ولكن الواقع الذي ترسمه التقارير الصحفية وأيضاً الاتصالات والنداءات والمناشدات التي تبثها البرامج الإذاعية ترسم مجتمعةً صورةً سلبيةً لواقع مهترئ، فهناك مدارس لم تنبعث من جدرانها رائحة الدهانات والمواد الكيماوية التي تثير محفزات الربو والحساسية لدى الطلاب والطالبات وهيئات التدريس على حد سواء، وهناك مدارس لم تزل تحت الصيانة وهناك أخرى تعاني "مشكلات فنية" في تشغيل بعض أجهزة التكييف، وكأن المسؤولين فوجئوا بالعام الدراسي، فلم يستعدوا بشكل كافٍ للانتهاء من هذه التجهيزات الروتينية، أما الحديث عن الشكاوى من النظافة فحدّث ولا حرج، إذ إن بعض مديري المدارس أكدوا أن مدارسهم التي تضم نحو 900 طالب يقوم على نظافتها عامل واحد فقط!! اللافت أن قيادات الوزارة تتحدث عن واقع وردي، بينما نلاحظ أن أوجه النقص في المدارس تأتي ضمن تصريحات مديري المدارس أنفسهم، وليست من وحي خيال مُعدّي التقارير الصحفية، حتى إن بعض مديري المدارس اتهموا الوزارة والمناطق التعليمية صراحة بالفشل في وضع حلول جذرية تضمن الانتهاء من صيانة "جميع" المدارس قبيل بدء العام الدراسي بوقت كافٍ. الشكاوى المتواصلة لا تتعلق بهذه الجوانب فقط بل تطال معاناة المعلمين والمعلمات التي تسببت في تحوّل الوزارة بالفعل، ووفقاً لكل الشواهد، إلى بيئة طاردة للمواطنين والمواطنات، حتى إن إحدى المدرسات وصفت المدارس في حوار إذاعي مباشر بأنها "منشآت عقابية" بالنظر إلى رفض استقالات المدرسات، ورفض طلبات النقل، ورفض الإجازات، ورفض منحهنّ بدلاً مادياً عن ساعات العمل الإضافية المستحدثة في مدارس الغد. عندما نشرت صحيفة محلية شكوى لإحدى الطالبات بالمرحلة الثانوية ردت مديرة المدرسة على الشكوى واصفة الطالبة بأنها ضمن "أعداء التغيير"، ولكن اللافت في الرد أن مديرة المدرسة لم تستطع الدفاع عن مسألة انعدام النظافة في المدرسة التي استخدمت الطالبة في وصفها تعبيراً رديئاً، واكتفت المسؤولة بأن اعتبرت أن حكم الطالبة "غير منصف" لأن غياب النظافة "مشكلة عامة" على جميع المدارس، وكأن ذلك يعني ضرورة التسليم بهذا الواقع السيئ لعدم وجود "عصا سحرية" تغير هذا الواقع كما قالت المسؤولة!! غياب المعرفة بأسباب الخلل لا تعني بالتبعية إيثار الصمت وعدم الشكوى كما يطالب قياديو الوزارة من الميدان، واكتفاء الوزارة باتهام المعلمات بـ"الجشع" والطمع المادي ليس حلاً، وليس بديلاً عن ضرورة الاستماع إلى مطالبهن ومحاولة تلبيتها قدر المستطاع كسبيل لتحقيق هدف بناء إجماع وقناعة وطنية حول مشروعات التطوير الطموحة.