اختطاف الرهائن المدنيين، أصبح تجارة مزدهرة في العالم الإسلامي، وهناك على امتداد الساحة الإسلامية أطياف واسعة من جماعات مسلحة أصبحت تتعاطى هذه المهنة فتعمد إلى اختطاف رهائن أبرياء وخاصة من الأجانب وبالخصوص السياح والصحفيين المهندسين وغيرهم من المدنيين الذين جاؤوا لتقديم المساعدة في أعمال إغاثية أو إنسانية أو طبية، وينسبون عملهم هذا إلى الجهاد والمقاومة. تمارس هذه الجماعات الدينية المسلحة جرائم خطف الأبرياء وتحتجزهم وتعرضهم للتعذيب وتهددهم بالقتل بهدف المقايضة عليهم وممارسة الضغط على دولهم لدفع فدية مالية ضخمة، أو بهدف تغيير سياسات معينة أو لإطلاق سراح أتباعهم المسجونين نتيجة أعمال إجرامية. اختطاف الرهائن ظاهرة حديثة غير معروفة على امتداد التاريخ الإسلامي، إذ لم يثبت أن المسلمين اختطفوا أو احتجزوا أحداً على مر تاريخهم، وقد تكون بدايات هذا الأمر ترجع إلى بدايات السبعينات في حوادث اختطاف الطائرات الإسرائيلية في خضم الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، ثم تطور مؤخراً إلى حوادث خطف الأفراد المدنيين وخاصة السياح الأجانب في التسعينات في مصر على يد الجماعات الإرهابية، وفي الفلبين على يد جماعة أبوسياف التي كانت تخطف السياح وتساوم عليهم عبر وسطاء، لتنتهي العملية بدفع فدية مالية والشهرة الإعلامية. ولعلنا نتذكر حادثة اختطاف السياح الألمان والسويسريين في جنوب الجزائر على يد الجماعة السلفية في أغسطس 2003 والتي انتهت بدفع فدية مالية قدرها 5 ملايين يورور. وفي العراق نجد عمليات الاختطاف ممارسة شائعة وقد أصبحت تجارة مزدهرة، إذ تقوم عصابات إجرامية بالاختطاف وتعرض بضاعتها على الجماعات الأصولية المسلحة التي تلجأ إما إلى قتلهم والتمثيل بجثثهم أمام الكاميرا بهدف بث الرعب والتخويف، أو تلجأ للمساومة عبر وسطاء يظهرون على الشاشات الفضائية. وكما يقول أحمد الربيعي فإن "المعادلة بسيطة؛ المطلوب مدني مختطف ومصور لإحدى الفضائيات ووسيط يستلم المبالغ ويوزعها مع الاحتفاظ بنصيبه، لدرجة أن الوسطاء يشجعون الإرهابيين على الاختطاف من أجل مزيد من الشهرة الإعلامية والكسب المالي". أما في اليمن فحوادث الاختطاف للسياح والمهندسين لها منحى مختلف، ذلك من أجل الضغط على الحكومة بهدف إرغامها على تقديم خدمات معينة للقبيلة أو إطلاق سراح أحد أبنائها أو غير ذلك من المطالب السياسية والاقتصادية. ولا زالت الميليشيات الصومالية المسلحة تمارس أعمال القرصنة البحرية وتخطف السفن التجارية الأجنبية وناقلات النفط، طلباً للفدية المالية، وقد اتخذت من أعمال القرصنة وسيلة للعيش والكسب وأصبحت هذه النشاطات غير المشروعة تدرّ عليهم أموالاً هائلة تمكنهم من تعزيز نفوذهم في الصراع القبلي في البلاد. ومؤخراً تعلمت "طالبان" هذه التجارة المحرّمة فأصابتها عدوى الاختطاف، حيث احتجزت على مدى 7 أسابيع مجموعة من المدنيين الكوريين رجالاً ونساءً، ولم تطلق سراحهم إلا بعد صفقة قالت عنها "طالبان" نفسها: "حصلنا على 20 مليون دولار مقابل الإفراج عن 19 كورياً جنوبياً حيث كنا نمر بأزمة مالية مؤخراً، وبهذا المبلغ سنشتري أسلحة ونجدد شبكة الاتصالات ونشتري عربات لتنفيذ مزيد من الهجمات الانتحارية". وفي حين تنفي كوريا الجنوبية دفع أية فدية مالية غير الشرطين اللذين وافقت عليهما وهما "انسحاب القوات الكورية من أفغانستان ووقف البعثات التبشرية"، فإن الأمر لا يخلو من التعويض المالي. وقد تطور الأمر ليتجاوز الجماعاتِ الأصوليةَ والمسلحة الإجرامية إلى الدول، حيث لجأت حكومات عربية إلى نوع من الاحتجاز لرعايا أجانب بهدف المساومة السياسية وكسر الحصار الدولي المفرض عليها، إضافة إلى "الفدية المالية"، وهكذا أصبحت الأرض العربية والإسلامية تنتج مثل هذه الظواهر البشعة والمحرّمة دينياً ودولياً. والأدهى أن كل ذلك ينسَبُ إلى الإسلام، ومرتكبوها يتفاخرون بأن عملهم الإجرامي نوع من الجهاد المشروع أو المقاومة الوطنية الشريفة، يشوهون صورة المسلمين أمام العالم ويسيئون إلى هذا الدين الذي جاء رحمة للعالمين بظلمهم وبغيهم وعدوانهم. والعجيب أن تلك الجماعات التي درجت على ممارسة هذه العمليات البغيضة لها مسوّغاتها الدينية ومبرراتها الشرعية ومنظروها من علماء التضليل، ولها منابرها الإلكترونية وكتبها وأشرطتها. لكن دعونا نتساءل وبغض النظر عن دعاوى وادعاء هؤلاء: هل تقر الشريعة الإسلامية اختطاف الرهائن كوسيلة للمقاومة والجهاد؟ في الحقيقة لا يوجد أي سند شرعي لهذا العمل العدواني، وربطه بالإسلام فيه أبلغ الإساءة للإسلام والمسلمين بل إنه عمل محرّم بالإجماع، ومرتكبوها بغاة خارجون على حدود الله، بل إن تعاليم الإسلام صريحة وواضحة في تحريم وتجريم هذا العمل المشين حتى مع الأعداء ولو كنا في حالة حرب معهم فكيف وقد دخلوا إلى بلادنا مستأنسين! يقول الله تعالى: "وإن أحد من المشركين استأجرك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه"، فلا يجوز المساس بالمستأمن فكيف بخطفه وترويعه وتعذيبه؟! بل إن ذلك يُعد خيانة ونقضاً وغدراً، وحتى لو كانت حكوماتهم تمارس سياساتٍ ظالمةً ضدنا، فهؤلاء المدنيون لا ذنب لهم وهم غير مسؤولين عن تصرفات دولهم، ومبادئ الإسلام حاسمة منذ 14 قرناً، "ولا تذر وازرة وزر أخرى". دعونا نتساءل مرة أخرى: إذا كان هذا هو موقف الإسلام الواضح والمبدئي، فلماذا أصبحت أرض العروبة والإسلام موبوءة بهذا الوباء الإجرامي؟ أسباب ذلك -في تصوري- عديدة، منها: اعتقاد الجماعات الأصولية أن احتجاز الرهائن نوع من الجهاد أو مقاومة العدو عبر ممارسة الضغط عليه لتغيير سياسته أو الإفراج عن المسجونين التابعين لها أو الفدية المالية لشراء الأسلحة. وفي مجلة "المجاهدون" الأصولية، مقالات للمنظر الجهادي (المقدسي) حول شرعية أعمال الخطف والمقايضة بل وحتى التعذيب والقتل، ومنها -أيضاً- سكوت معظم علماء المسلمين على هذه الجريمة وصمتهم عليها وعدم تنديدهم بها في خطب الجمعة وعبر البرامج الدينية. وربما التمس بعضهم لهؤلاء عذراً بحجة أنهم يقاومون العدوان ويدفعون الظلم عن أنفسهم أو أن ذلك من قبيل "خيار" القوة المتاحة! وربما ساعد الإعلام وخاصة الفضائيات بتنافسها على السبق الإعلامي والكسب الجماهيري، على ترويج عمليات الاختطاف وتلميع الوسطاء وخاصة أن تلك الجماعاتِ ترى أن التغطية الإعلامية من قبيل الكسب لها، يضاف إلى ذلك سبب رابع وهو الأهم، أن عمليات الاختطاف تدرّ على المختطفين وشركائهم أموالاً طائلة من غير جهد، ثم إن عمليات التفاوض معهم من قبل الحكومات تكسبهم اعترافاً وشرعية دولية، وأخيراً هناك سبب خامس يتمثل في رضوخ دول وحكومات لابتزاز المختطفين وشروطهم ودفع الأموال إليهم في سبيل تحرير رعاياهم الرهائن بناء على ضغوط أهالي المختطفين على حكوماتهم، وهذا يشجع على انتعاش واستمرار تلك العمليات لتصبح تجارة مزدهرة وسوقاً رائجة. وهكذا كلما خضعت الحكومات لمساومات جماعات الاختطاف زادت تلك العمليات وأدت إلى تماديهم حيث ينالون المال والشهرة الإعلامية. ومن أجل كسر هذه الدائرة الجهنمية لا حلَّ إلا بوقف التفاوض مطلقاً مع كل جماعات الاختطاف وعدم قبول أي نوع من المساومة، وأيضاً: منع استخدام القنوات الفضائية منبراً مجانياً للمختطفين، ثم حل آخر مهم، هو تحرك علماء الدين أجمعين!