حين كان شيعة العراق يبكون نحو 52 رجلاً منهم راحوا ضحية الاشتباكات التي شهدتها مدينة كربلاء، غداة الاحتفال بمولد الإمام المهدي، بين "جيش المهدي" والقوات العراقية، الشيعية بطبيعة الحال، خصوصاً أنها في كربلاء، كانت فضائية "الفرات" التابعة لآل الحكيم، و"الأنوار" التابعة لآل الشيرازي، و"الكوثر" التابعة لآل الخميني، تدين الفاعلين، لكن من دون الإشارة إلى مرجعيتهم... كأنّ شخصاً اسمه مقتدى لم يُولد، وكأنّ جيشه لم يكن أبداً. ورغم أن مقتدى نفسه، وعلى إثر ذلك، جمّد أنشطة جيشه ستة أشهر، وهو تجميد يصرخ، لمن أراد أن يسمع، بأن هذا الجيش بالذات هو الذي عربد في كربلاء، إلا أن صدام أُخرج من قبره للمرة الألف، وأُخرج ابن لادن من كهفه أيضاً، والدليل أن المشاهدين كانوا يحيُّون من خلال "مسجات" أسفل الشاشة "سماحة السيد مقتدى الصدر"، ويلعنون الصداميين والتكفيريين، وهي إشارة معروفة المعنى، كيف لا ونوري المالكي نفسه ضلّلهم حين اتهم "عصابات إجرامية خارجة عن القانون ومن بقايا النظام الصدامي استهدفت زوّار كربلاء المقدسة". لكن لحسن حظ سُنة العراق أن سلاح الاقتتال الشيعي-الشيعي وُجد هذه المرة وعليه بصمات شيعية، فتحدث التيار الصدري عن مؤامرة تحيكها جماعة الحكيم، والحكيم عند الصدر يعني السيستاني أيضاً، وممثل الأخير لمّح إلى دور جماعة الصدر لكنه لم يصرّح، إلا أن المالكي، الغارق حتى أذنيه في نظرية المؤامرة على الشيعة، أو لعلّه يلعب بالكرة الطائفية لإحراز أهداف سياسية، رحّب بمبادرة الصدر وفي الوقت ذاته أقحم "مؤسساتٍ سعوديةً متشددةً تصدر فتاوى تكفّر فيها الشيعة وتدعو لتدمير مرقدي الحسين والعباس"... ولا أحد ينكر التشدد السلفي، لكن ما دخل هذا بما حدث في كربلاء في ذلك اليوم تحديداً؟ لا علاقة إلا كعلاقة الصهيونية باختفاء موسى الصدر في ليبيا، واستبعاد أي دور للخمينيين رغم أن موسى الصدر كان حجر عثرة في طريقهم نحو تجيير شيعة لبنان لصالحهم، خصوصاً أن علاقة الصدر بالشاه كانت وثيقة، لكن قيادات الشيعة مرتاحة وهي نائمة على وسادة نظرية المؤامرة إلا بعض اليقظين كرئيس التيار الشيعي الحر الذي قال بلا مواربة بمناسبة مرور 29 سنة على اختفاء الصدر: "لماذا لم يناد قادة الشيعة السياسيون والروحيون بمحكمة دولية تلاحق المجرم؟.. أُخفي الإمام لأنه أراد صناعة وطن وقيام دولة، وقضيته مطروحة اليوم في البازار الليبي- الإيراني؟". المفارقة أن خمينيي لبنان، أي "حزب الله"، دانوا "الصمت المريب إزاء استمرار جريمة تغييب الصدر والتقصير الفاضح في ملاحقة المتورطين". يلوم قادة الشيعة نظراءهم من السنة لجهة عدم وضوح موقفهم من إرهابيي "القاعدة"، لكنهم ينهون عن خُلقٍ ويأتون مثله؛ فلا هم يشيرون بأصابعهم نحو مقتدى وجيشه ليدينوا دورهم في تصفية وتهجير سُنة العراق، ولا هم َصدقوا مع جمهورهم في قضية الاقتتال الداخلي، خصوصاً جمهورهم البعيد عن مناطق الأحداث، وهذا ما يجعل ابن لادن حاضراً مع كل قنبلة تدمّر مرقداً شيعياً، وصدام حاضراً خلف كل كلاشينكوف يخترق رصاصه صدور الشيعة، كأنّ العلاقات الشيعية- الشيعية سمن على عسل رغم أنها علاقات نزفت كثيراً، وبشكل فظيع أحياناً... لكن دائماً هناك يزيد بن معاوية!