حالة الفوضى الإدارية والسياسية والأخلاقية التي تعيشها المجتمعات العربية اليوم بحاجة إلى حلول جذرية، بما يطرح معه السؤال المهم: هل المشكلة في الأخلاق العامة أم في القانون الذي لا يجد احتراماً أو تطبيقاً على أرض الواقع بشكل محايد وحازم؟ بتعبير آخر، هل أساس المشكلة أخلاقي أم قانوني؟ وبالإجابة على هذا السؤال يمكن الوصول إلى حل لهذه المشكلة. وهناك الكثير من القائلين بانعدام البُعد الأخلاقي للمشكلة، مستشهدين بقول أمير الشعراء: "إنما الأمم الأخلاق ما بقيت *** فإن همو ذهبت أخلاقهم ذهبوا" أو قوله: "وإذا أصيب القوم في أخلاقهم *** فأقمْ عليهم مأتماً وعويلاً" وهذا الرأي لا يخلو من الحق ولكن السؤال: أي أخلاق؟ الأخلاق العامة أم الأخلاق الخاصة للفرد؟ إذ من الملاحظ في العالم العربي وجود عدم تناسق بين الأخلاق العامة والأخلاق الفردية الخاصة، حيث ينعدم الاهتمام بالأخلاق العامة، في مقابل الحرص على الأخلاق الخاصة. فمثلاً تجد لدى الإنسان العربي حرصاً شديداً على نظافته الخاصة، لكنه لا يعير اهتماماً للنظافة العامة، فتجده يرمي بقايا السجائر أو مناديل الورق المستخدمة في الشارع بدون تأنيب ضمير. ولهذا لا يمكن أن تجد حمّاماً عاماً نظيفاً في الشوارع أو حتى المساجد والمستشفيات، لأن الجميع لا يعتبر هذا الحمّام مِلكاً خاصاً ومن ثمّ فلا يهتم بتنظيفه بعد استخدامه. خلافاً للوضع بالنسبة لحمّام بيته مثلاً. وهناك من يرى أن المشكلة تكمن في عدم الحزم في تطبيق القانون، حيث إن القانون في البلاد العربية مُخترق بالواسطة وتغليب المصالح الشخصية، فضلاً عن تساهل الدولة في تطبيقه على الجميع بشكل عادل، وأن المشكلة سوف تنتهي إذا ما كان هناك حزم في تطبيق القانون، وعدالة تعمُّ الجميع دون استثناء. وهذا الرأي أيضاً لا يخلو من الحق. فالقانون في البلاد العربية لا قيمة له حيث يتم تجاوزه في أحيان كثيرة، وربما سهّلت السلطات عملية التجاوز بعدم المراقبة أو العقاب. وتسود العالم العربي قناعة لدى الأفراد، أن القانون وضع لكي يخدم مصالح معينة، والقانون نفسه ليس عادلاً, بما يقنع الناس بأهميته، فضلاً عن مزاجية السلطة في تطبيقه، بدليل كثرة الاستثناءات، وأن الموقع السلطوي في المجتمع أقوى من القانون. برغم صحة هذين الرأيين، إلا أنه يمكن القول إن الفرق بين الأخلاق والقانون يتمثل في الوضوح والمعيارية الملازمة لكل واحد منهما. ولاشك أن القانون أكثر وضوحاً ومعيارية من الأخلاق التي لا يعرف الإنسان العربي إلى اليوم التفرقة فيها بين الخاص والعام، أو لنقل إنه لا يهتم لمثل هذه التفرقة المهمة. إضافة إلى استحالة مراقبة السلوك الأخلاقي للفرد أو حتى للجماعة. وبذلك يصبح القانون أكثر سهولة في التعامل والتطبيق وضمان المعيار السلوكي للأفراد والجماعات. ويترتب على ذلك أن المشكلة لدينا تتمثل في زوال هيبة القانون، بسبب عدم اتباع سياسة الحزم عند التطبيق، وسهولة اختراقه بالنفوذ الاجتماعي أو الاقتصادي أو السياسي. ويعود سبب ذلك إلى حقيقة كون الدول العربية لا تزال في مرحلة المجتمع لا الدولة. فالدولة ليست نشيداً وطنياً وعلَماً، بل الدولة كيان سياسي يقوم بالقانون، ولهذا كثيراً ما يتشدّق المسؤولون العرب بدولة القانون دون أي احترام لهذا المصطلح، لأن الواقع يقول بخلاف ما يعلنونه، ولأنهم ربما أول من يخرق القانون فيما لو تعارض مع مصالحهم الخاصة، ناهيك عن حقيقة عدم سريان القانون على الجميع وهو ما يعرفه كل عربي يعيش في هذا العالم الغارق في الفوضى واللامبالاة.