تقدر الفوائض المالية الخليجية وخاصة فوائض كل من السعودية والكويت والإمارات وقطر التي تستثمر في الخارج من قبل هيئات الاستثمار الحكومية بحوالي 1.5 تريليون دولار، وهذا المبلغ الكبير يمكن أن يؤثر في الأسواق العالمية لو كان هناك تنسيق فيما بين دول الخليج. يبقى السؤال: هل يمكن التنسيق بين هيئات الاستثمار الحكومية الخليجية؟ وهل هذا في صالح الدول والشعوب الخليجية؟ عملياً كل المحاولات السابقة للتنسيق بين دول المجلس من خلال مجلس التعاون الخليجي تعثرت سواء في المجال الاقتصادي أو السياسي. الاستثناء الوحيد من ذلك الاتفاقيات الأمنية الخاصة بصالح الأنظمة الخليجية.. هناك بعض الإنجازات في العمل الاقتصادي لكنها محدودة، فمشروع العملة الخليجية المشتركة تأخر تنفيذه.. ويعود سبب الإخفاقات إلى الاعتبارات السياسية وإصرار كل دولة على تأكيد سيادتها وعدم التنازل عنها لمصالح الدول الأخرى.. تجربة الاتحاد الأوروبي نجحت في المجال السياسي والاجتماعي والقانوني، لأن الأوروبيين ركزوا على الاقتصاد حيث اهتم الجميع بالمصالح المشتركة التي تفيد شعوبهم ودولهم. عموماً طالما أن أسعار النفط في ارتفاع فليس هناك مخاوف على الاستثمارات الحكومية في الخارج. وهذه الاستثمارات بالتأكيد ستزيد الفوائض المالية وعلى ضوئها الاستثمارات في الخارج. ولكنْ، هل هناك مصلحة في التنسيق بين دول الخليج في كيفية استثمار هذه الفوائض؟ حالياً لا يوجد أي تنسيق حسب علمنا بين الهيئات الاستثمارية المختلفة، بل بالعكس هناك أكثر من جهة استثمارية حكومية في الدولة الواحدة تدير الاستثمار بطريقة مختلفة عن الأخرى، والأمثلة على ذلك متعددة ففي الإمارات مثلاً توجد أكثر من جهة تستثمر الفوائض، وكذلك الكويت وقطر وغيرها، وهذا شيء جيد لا ضرر منه ما دام الجميع يجتهد للحصول على أفضل العوائد المالية. لكن هناك بعض المجالات الاستراتيجية التي تتطلب التنسيق والتعاون بين دول المجلس. لنأخذ المثال الصيني، فالصين كدولة عظمى لديها أموال كثيرة للاستثمار، وقيادتها السياسية اتخذت قراراً استراتيجياً بزيادة استثماراتها في أفريقيا، وعلى ضوء ذلك تم استثمار المليارات من الدولارات في أفريقيا للحصول على المواد الأولية التي تحتاجها الصين، وكذلك الأسواق لتسويق بضائعها. هذا القرار الاستراتيجي اتخذته الدولة الصينية لضمان مصالحها على المدى البعيد. هل يمكن لدول الخليج العربية اتخاذ قرار موحد يخدم مصالحها الاستراتيجية المشتركة على المدى البعيد؟ هذا السؤال نوجهه للأمين العام لمجلس التعاون النشط عبدالرحمن العطية. لا نعرف مدى استعداد دول الخليج لاتخاذ مثل هذه الخطوة، لكن الأمر المؤكد بالنسبة لنا هو أنه إذا تم زج السياسة في الأمور الاستثمارية، فلن يكون هناك استثمار ناجح. التجارب الخليجية في الاستثمار في الدول الخليجية من قبل لم تحقق النجاح المطلوب. بسبب الاعتبارات السياسية وقيام بعض الدول بتأميم هذه الاستثمارات. كما أن المجالات وسياسات الترضية أفشلت هذه الاستثمارات. اليوم القطاع الخاص الخليجي يحقق إنجازات كبيرة في استثماراته في الدول العربية بسبب حسن الإدارة وابتعاده عن السياسة، فالتركيز على الاقتصاد ينبغي أن يكون بعيداً عن السياسة. لقد وجهت بعض دول الخليج اليوم استثماراتها باتجاه الدول الآسيوية، فالكويت مثلاً توسعت في استثماراتها في الصين والهند وغيرهما من الدول الآسيوية لأن الفرص الاقتصادية والاستثمارية أفضل من غيرها في الدول الغربية أو الوطن العربي. لكن الصندوق الكويتي للتنمية وغيره من صناديق التنمية الخليجية لا زال يلعب دوراً تنموياً من خلال القروض للدول العربية ودول العالم الثالث، وبذلك يخدمون مصالح دول الخليج في المنطقة المحيطة.