توحي اللقاءات الثنائية بين أولمرت وأبومازن- من حيث الشكل- بجدية مساعي الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني للتحضير لمؤتمر السلام الدولي، في حين أن تصريحات المسؤولين المصاحبين للرئيس الفلسطيني تحبط هذا الإيحاء على غرار قول أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير ياسر عبد ربه: "إن هذه اللقاءات حتى الآن غير مشجعة"، وقول رئيس دائرة المفاوضات في المنظمة صائب عريقات: "هذه المفاوضات لم تصل بعد إلى تفاصيل الوضع النهائي في شأن القدس والحدود واللاجئين والمستوطنات". إن فحص التقارير الفلسطينية والإسرائيلية عن لقاءات القمة الثنائية يشير إلى أنه لا توجد حتى الآن مفاوضات في العمق تمهد للوصول إلى اتفاق تفصيلي على الرغم من الأخبار التي تتحدث عن وجود مسار سري للمفاوضات على غرار ما جرى في اتفاقية أوسلو. إن هذا الانطباع يتأكد بعدم وجود تقدم جاء إذا ما لا حظنا حالة الاسترخاء النفسي التي يعيشها "صقر" الحكومة الإسرائيلية الحالي الوزير "أفيجدور ليبرمان" وزير الشؤون الاستراتيجية الشهير بمواقفه المتطرفة ومعارضته أي انسحاب من الضفة ودعوته للتطهير العرقي لعرب 1948 بنقلهم خارج حدود إسرائيل. في أعقاب لقاء (أولمرت- أبومازن) الأخير، أخبر "ليبرمان" صحيفة "هآرتس" بأنه غير قلق من هذه اللقاءات، وبالتالي فإنه لا يجد ضرورة للانسحاب من الحكومة، فهو يستبعد أن تصل هذه المفاوضات إلى أمور جادة وحقيقية في ظل ضعف سلطة "أبومازن" والافتقار إلى الحماس والتأييد الشعبيين على الطرفين. موقف "أولمرت" السياسي يبدو بعيداً كل البعد عن طموحات "أبومازن" في التوصل إلى وثيقة مبادئ تفتح الطريق سريعاً لإقامة الدولة الفلسطينية في حدودها النهائية بعيداً عن سياسة المراحل التي اتبعت منذ اتفاقية أوسلو. ذلك أن "أولمرت" ما زال يطرح رؤية تسعى إلى الالتزام بمراحل خطة خريطة الطريق لإقامة الدولة، وهو ما يعني إلزام السلطة الفلسطينية في المرحلة الأولى بتفكيك التنظيمات المسلحة وإقامة الدولة على مراحل. وإذا كان هذا هو الحد الأقصى للأفق السياسي الذي يلتزم به أولمرت ولا يستطيع تجاوزه لضعفه كرئيس حكومة نتيجة لأدائه السيئ في حرب لبنان الصيف الماضي، ونتيجة لخشيته من اتهامات التفريط من جانب أحزاب "اليمين".. فإن التدخل العربي من جانب لجنة المتابعة العربية المكلفة بالترويج للمبادرة العربية للسلام لدى الطرف الأميركي الداعي للمؤتمر، يصبح تدخلاً ضرورياً ومطلوباً. ذلك أن التداخل العربي في إنجاز تحضير ناجح للمؤتمر الدولي والوصول إلى اتفاق مبادئ واضح المعالم في قضايا الحل النهائي يتماشى مع غايات المبادرة العربية لا يمثل فحسب دعماً مطلوباً للمفاوض الفلسطيني لتحسين حصيلة اللقاءات، بل يمثل أيضاً خطوة لأزمة لاحتمال توجيه الدعوة من الرئيس بوش إلى دول عربية ذات دور أساسي مثل المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة للمشاركة في أعمال المؤتمر. النقاط الغامضة الثلاثة حول المؤتمر والتي تحدث عنها "أبومازن" في ختام اجتماعه بالملك الأردني عبدالله الثاني، يجب أن تحظى بالاهتمام المباشر من جانب لجنة المتابعة العربية في اتصالاتها بواشنطن. فالنقطة الأولى الخاصة بموعد عقد المؤتمر الذي لم يتحدد بعد، يقول عنها "أبومازن" إنه سمع أن الموعد سيكون منتصف نوفمبر، أما النقطة الثانية فتتعلق بالمشاركين في المؤتمر والذين لم يعلن الأميركيون عنهم بعدُ، والنقطة الثالثة مضمون المؤتمر وأجندة العمل فيه، والتي ما زال "أبومازن" ينتظر الموقف الأميركي منها. ولا شك أن "أبومازن" على حق عندما يقول بعد لقائه بأولمرت واجتماعه بالملك الأردني إن المؤتمر الدولي لن يكون مفيداً إذا تم دون إعلان مبادئ متفق عليه يحدد بوضوح ملامح الحل الفلسطيني ولا يترك مسيرة الحل بعد ذلك رهناً بالتفاوض على مبادئ غامضة مثلما يريد أولمرت. إن الدور العربي حاسم في إيصال لقاءات (أولمرت- أبومازن) إلى مبادئ تفتح طريق الحل النهائي بوضوح وتحقق حصاداً مفيداً للسلام