ليس التنصير وحده هو الذي يتحرك الآن بقوة في مواجهة الإسلام، بل إن التحدي الأخطر يكمن في موضوع عداوة الغرب للإسلام، حيث لا يريد العقل الغربي ذاته أن يمحو من ذاكرته تراكمات العداء المتأصل في فكره وثقافته وسياسته. وأقصد بذلك أن العقل الغربي لا يريد أن يتخلص من ثقافة العداء للشرق والإسلام التي يحملها في داخله، وهي تعود إلى ما قبل ظهور الإسلام، حسب العديد من الباحثين، والتي تمثلت في الغزو الإغريقي والروماني لأرض الشرق، وظهور الإسلام بما يحمله من قيم أخلاقية عالية ومبادئ عالمية سامية قادرة على تحقيق الخير للعالم أجمع، وإرشاده إلى نور الحقيقة الربانية والفتوحات الإسلامية التي حررت الشرق من هذا الاستعمار... كل ذلك رسخ العداء في مكونات العقل الغربي وثقافته وجعله يزداد حدة في عدائه، وآخرها التحذير الذي أطلقه "جورج جاينز فاين" السكرتير الخاص للبابا بنديكت السادس عشر بخصوص الخوف من أسلمة الغرب، حيث حذر أوروبا من تجاهل جهود إدخال القيم الإسلامية فيها، إذ إن ذلك -حسب زعمه- يهدد هوية القارة، لأن الغرب يعتبر أن القيم الإسلامية تمثل تحدياً قوياً لثقافته وسياسته الاستعمارية. وحتى نؤكد هذا المعنى فنستعير ما قاله القائد الإنجليزي الجنرال جلوب باشا: "إن تاريخ مشكلة الشرق الأوسط إنما يعود إلى القرن السابع الميلادي". وما فتئت عيون الغرب الاستعماري تنظر للإسلام على أنه كسر شوكتها، ولهذا وضعت خططها لاستعادة الهيمنة على ديار الإسلام والعمل على كسر شوكة المقاومة عند المسلمين متمثلة في الإسلام نفسه. واليوم، ليس بابا الفاتيكان وحده من يدعو للحملة ضد الإسلام -حسب قول المفكر الألماني المسلم الدكتور مراد هوفمان في كتابه "الإسلام عام 2000"- بل إن مجلس الأمن الدولي يدعو لفرض حظر سلاح على جميع الدول الإسلامية تقريباً. ولو سبرت غور النفس الأوروبية لوجدت تحت الطبقة اللامعة الرقيقة عداءً للإسلام الذي أصبح في وسائل إعلامها مرادفاً للإرهاب والقسوة والتعصب والاستبداد وعدم التسامح... حيث يترك الإعلام الغربي شهادات التعميد خارج اللعبة إلا إذا خصت المسلمين، ولا يُحلل نشاطهم السياسي على أساس دوافعه السياسية ولكن كنتيجة لديانة شريرة. وإذا هاجم إرهابي من خارج العالم الإسلامي هدفاً تقول التقارير إنه مقاتل أو محارب أو غير ذلك، ولم نسمع مطلقاً "متعصب كاثوليكي" أو "متعصب اشتراكي"... أما إذا ألقى شخص من الشرق الأوسط قنبلة غاز، فينسب العمل لمسلم متعصب، حتى لو كان ذلك العربي مسيحياً أو ملحداً! إن الغرب حتى لو ضمن مصالحه المادية في العالم الإسلامي، فمشواره معنا لن يتوقف عند هذا الحد، وكما قال أحد المفكرين المسلمين، فإن الغرب يريد الهيمنة الروحية والدينية ويريد إلغاء نظام القيم لدينا ومسخ نظام المفاهيم المرتبطة بمقدراتنا العقيدية والشرعية، أي أن المستهدف هو الإسلام. لذلك يجب أن ننتبه لهذا العداء الذي يطلقه بعض القادة والمفكرين والمثقفين في الغرب ضد الإسلام وضد القرآن الكريم والرسول محمد صلى الله عليه وسلم... يجب أن ندرس كل ذلك بدقة وحذر وألا نضعه في إطار محدود يمر بصورة عابرة، خاصة التهديد الخطير الذي أطلقه مرشح الرئاسة الأميركي "توم تانكرويد" في اجتماع نظم يوم الجمعة 3/8/2007 قال فيه إن على الولايات المتحدة الأميركية أن تضرب مكة المكرمة والمدينة المنورة! وخطورة هذا التصريح أنه يتكرر للمرة الثانية بعد تصريحه الأول عام 2005 والذي قال فيه صراحة إنه سيأمر بإزالة مكة والمدينة عن طريق هجوم نووي. وأيضاً تصريح النائب في البرلمان الهولندي رئيس "حزب الحرية" جيرت فيلدرز الذي دعا فيه عبر رسالة مفتوحة نشرتها صحيفة "فولكسرانت" تحت عنوان "امنعوا القرآن"، إلى حظر القرآن في هولندا، معتبراً أنه لا مكان لهذا الكتاب "القاسي والخطر"، مقارناً بينه وبين كتاب "كفاحي" لهتلر!