في هذا الكتاب "الفيل والتنين: صعود الصين والهند وما يعنيه ذلك لنا جميعاً"، تفند روبيَن ميريديث، محررة الشؤون الصينية والهندية في مجلة "فوربس" الأميركية الشهيرة، بعض الطروحات المتعلقة بالطفرة الاقتصادية في الصين والهند، وترى أنه ليس هناك في الحقيقة ما يدعو الولايات المتحدة للتخوف من صعود هاتين القوتين، حتى مع تنبؤ الكثير من خبراء الاقتصاد بأن الصين التي تمتلك رابع أكبر اقتصاد في العالم ستصبح قادرة على الوقوف على قدم المساواة مع الولايات المتحدة صاحبة أكبر اقتصاد في العالم بحلول عام 2015. من بين تلك الطروحات أن الديمقراطية تعتبر شرطاً لازماً ومفتاحاً أساسياً من مفاتيح التقدم الاقتصادي. فالمؤلفة ترى أن التجربة الاقتصادية الصينية تفند ذلك الربط، إذ نجحت، رغم أن نظامها السياسي يقوم على سيطرة الحزب الشيوعي، في تحقيق معدل نمو بلغ 9.6% سنوياً، وهي نسبة تفوق بكثير تلك التي حققتها الهند الديمقراطية، والتي لم تزد عن 5.7% سنوياً. والسبب في ذلك، كما ترى المؤلفة، هو أن سلطوية النظام في الصين جعلته قادراً على الإمساك بمقاليد الأمور السياسية والاقتصادية، وأكثر قدرة على البت في الكثير من الأمور والشروع في تنفيذ كثير من الخطط والمشروعات، بينما آليات المراقبة والمراجعة التي تميز النظام الديمقراطي تُبطِئ من حركة النمو الاقتصادي في كثير من الأحيان. ومن الطروحات التي تفندها المؤلفة كذلك أن نجاح الدول اقتصادياً يتوقف على التزامها بالوصفات الجاهزة التي تقدمها المؤسسات النقدية والمالية العالمية، وعلى انغماسها في محيط العولمة الاقتصادية، فهي ترى أن أسلوب الخطوات الصغيرة المحسوبة التي تسير بشكل مطرد ومنتظم يمكن -بالتراكم- أن يؤدي إلى تحقيق نمو اقتصادي يكتسب مع الوقت مزيداً من القوة والزخم الذي يجعله ينطلق بعد ذلك بخطوات متسارعة اعتماداً على فاعليته الذاتية، وهو ما فعلته الصين ومكنها من تحقيق نجاح اقتصادي، بينما أخفقت دول أخرى حاولت القفز مرة واحدة وبدون أطواق نجاة في بحر العولمة الاقتصادية، فكانت النتيجة كارثية كما حدث في روسيا والأرجنتين. وترى المؤلفة أنه رغم انزعاج الخبراء والمسؤولين الاقتصاديين في الولايات المتحدة جراء تدفق السلع الصينية على أسواقهم، فالحقيقة هي أن المستهلك الأميركي يستفيد كثيراً من تلك السلع الرخيصة، والتي وإن كانت تقل جودة عن مثيلتها الأميركية فإنها تؤدي الغرض منها بشكل مُرضٍ في معظم الحالات. بعد ذلك تنتقل المؤلفة للتجربة الاقتصادية للهند والتي تقول إنها وإن كانت قد تمكنت من حصد الغالبية العظمى من مليون وظيفة مكتبية التي هاجرت من الولايات المتحدة لخارجها في إطار ما يعرف بظاهرة (Outsourcing) التي تعني الاستعانة بمصادر خارجية لأداء أعمال مطلوبة داخلية، فإن ذلك لا يجب أن يكون مدعاة لانزعاج الأميركيين، إذ تؤكد الإحصائيات الاقتصادية أنه في مقابل كل دولار تدفعه الولايات المتحدة لموظفين أجانب من أجل القيام بخدمة مطلوبة للسوق الأميركية، فإنها تخلق ثروة مقابلة تعادل 1.94 دولار. ومن ذلك يتضح أنه ليس هناك ما يدعو الولايات المتحدة للتخوف من التجربة الهندية الاقتصادية، لأن الهند من ناحية لا تزال متأخرة عن الصين، رغم أن هذه الأخيرة بدأت في تطبيق سياسة الانفتاح الاقتصادي عام 1991، بينما بدأتها الهند عام 1978. وتتناول المؤلفة خطط التنمية الاقتصادية في البلدين من منظور نقدي، فتقول إن الصينيين أكثر ميلاً للادخار من الهنود، وإن البنية التحتية الصينية أفضل بكثير من مثيلتها الهندية التي تعاني من أوجه قصور، وإن النظام التعليمي الصيني أفضل من نظيره الهندي، وإن الاقتصاد الهندي -على العكس من الصيني- لا يزال مشدوداً للداخل أكثر مما هو منفتح على الخارج، وإن ظمأ الصين والهند إلى النفط وغيره من مصادر الطاقة بسبب التوسع المتسارع لاقتصاديْهما، سيجعلهما تحاولان الحصول على الطاقة من أي مصدر حتى لو كان الدول التي تنتهج سياسات معادية للولايات المتحدة، أو التي تمتلك سجلاً سيئاً في مجال حقوق الإنسان، مثل إيران وفنزويلا والسودان... وتختتم المؤلفة كتابها بالتنبيه إلى نقطة مهمة وهي أن الجاذبية الاستثمارية لأسواق الولايات المتحدة الأميركية ستصبح أقل إغراءً في نظر المستثمرين الصينيين، والهنود (بدرجة أقل)، بسبب امتعاض الأميركيين من تدفق السلع والاستثمارات الصينية على السوق الأميركية من ناحية، وبسبب الدعوات المتزايدة من جانب خبراء الاقتصاد لفرض الضرائب وسن اللوائح والقوانين لمحاربة ذلك الإغراق السلعي، مما يقلص من جاذبية السوق الأميركية ويجعل رجال الأعمال الصينيين والهنود يتجهون للاستثمار داخل بلادهم للاستفادة من الفرص الاقتصادية فيها وهو ما يجب أن تتنبه له السلطات الأميركية التي تطالبها المؤلفة بالعمل على تكييف نفسها وعلى الاهتمام بمعالجة نواحي القصور والضعف في منظومتها التعليمية على وجه التحديد. سعيد كامل الكتاب: الفيل والتنين: صعود الصين والهند وما يعنيه ذلك لنا جميعاً المؤلف: روبن ميريديث الناشر: دبليو. دبليو نورتون تاريخ النشر: 2007