عندما يحاول ضباط الجيش الأميركي شرح التحدي الذي يواجهونه في عملية إعادة بناء العراق فإنهم غالبا ما يتحدثون عن أدوات قياس الوقت أو فلنقل الساعات الثلاث المختلفة التي يتعاملون معها: الساعة الأولى هي ساعة التوقيت الدقيق (ستوب واتش) التي يمسك بها البعض في واشنطن ممن يرون أن كل ثانية زائدة نقضيها في العراق تمثل مشكلة. والساعة الثانية هي تلك الخاصة بالحكومة العراقية التي يقودها الشيعة وهي ساعة تبدو معطلة في معظم الأحيان ويجب الدق عليها بانتظام كي تستمر في العمل. والثالثة هي الساعة الخاصة بالسنة والتي تريد عقاربها أن تدور دوما إلى الوراء وتحديداً إلى أيام صدام حسين، عندما كانوا يمسكون بزمام السلطة. لقد تنقلت توا بين "بعقوبة" و"بلد".. وبين منطقة سنية وأخرى شيعية في بغداد، بصفتي مراسلاً مرافقاً للأدميرال الزائر "ويليام فالون" قائد القيادة المركزية. وقمت بهذه الزيارة لأنني أريد أن أعرف ما إذا كانت عملية زيادة عدد القوات تحقق نجاحاً أم لا. وعلى رغم أن تلك الزيارة قد تبدو في أعين البعض أبكر مما ينبغي، وأقصر مما ينبغي، قياساً بالغرض المتوخى من ورائها، فإنني يجب أن أقول مع ذلك إنني قد رأيت شيئاً جديداً خلال هذه الزيارة؛ شيئاً إذا ما تم استغلاله على النحو الصحيح، فقد يساعد على تحقيق الاستقرار في العراق، وتحقيق قدر أفضل من التزامن بين الساعات الثلاث المذكورة، والتي يعمل كل منها بمعزل عن الباقي. هذا الشيء يتمثل في رغبة القبائل السنية، ورؤساء المناطق السنية الرئيسية في بغداد، في العمل جنباً إلى جنب مع الجنود الأميركيين، الذين كانوا يطلقون عليهم النار خلال السنوات الأربع الماضية، بغرض استعادة المدن والمناطق السنية من ذلك الفريق من السنة العراقيين من النمط "الطالباني"، والموالين لـ"القاعدة"، والذين سيطروا على تلك المدن والمناطق، عندما انسحبت القوات الأميركية التي كانت تفتقر إلى العدد الكافي من الجنود من العديد منها وسلمت مسؤولية الحفاظ على الأمن فيها إلى وحدات الجيش العراقي غير المستعدة. والأمر المستغرب هنا هو أن السبب الرئيسي لاتجاه العنف للانخفاض في تلك المدن والمناطق في الوقت الراهن، هو أن زيادة نفوذ "القاعدة" في عام 2006، قد أدى إلى بث الرعب في نفوس قادة القبائل السنية الأكثر اعتدالاً والأقل تزمتاً، والذين يمثلون العمود الفقري للمجتمع السني في تلك المناطق لدرجة جعلتهم على استعداد للعمل مع الأميركيين في نفس الوقت تقريباً الذي كانت الولايات المتحدة قد بدأت فيه في تطبيق سياسة زيادة أعداد قواتها في العراق. لكن حذارِ! إن هذا التحول المهم من جانب القبائل السنية يمكن أن يتغير، إذا لم تبدأ الحكومة العراقية التي يقودها الشيعة في توزيع الخدمات الحكومية -الماء والكهرباء والوقود- على المناطق السنية التي استعادتها القبائل. كما يمكن لهذا التحول المهم أن يتغير لسبب آخر بسيط، وهو أنه قد حدث في العراق فحسب. وللتدليل على ذلك أستشهد بكلمات سمعتها من جنرال أميركي في هذا الصدد مشيراً فيها إلى القبائل السنية بقوله: "إنهم لا زالوا يكرهوننا. كل ما هنالك هو أنهم يكرهون القاعدة أكثر مما يكرهوننا في الوقت الراهن، كما أنهم يكرهون الفرس أكثر مما يكرهون القاعدة... ولكنهم يمكن أن ينقلبوا ويوجهوا فوهات بنادقهم إلينا في أي وقت". ومدينة بعقوبة الواقعة في قلب محافظة ديالى الواقعة إلى الشمال من بغداد تمثل نموذجاً مصغراً لما حدث. فعندما كانت القوات الأميركية تحاول استعادة هذه المدينة من أيدي الجهاديين الذين كانوا قد استولوا عليها وأعلنوها عاصمة لما أطلقوا عليه "دولة العراق الإسلامية" ونشروا فيها الرعب، التقطت طائرة تجسس أميركية صوراً لقتال يدور بين فصيلين عراقيين داخل المدينة. وفي اليوم التالي اتصل زعماء فصيل من الفصيلين يمثل القبائل السنية في المدينة بضابط ميداني أميركي وطلبوا منه المساعدة في إجلاء المتطرفين الإسلاميين من المدينة. وهكذا بدأ التعاون بين القوات الأميركية والقبائل السنية في تلك المنطقة، والذي يتضمن ضمن ما يتضمن قيام القوات الأميركية بدفع مرتبات لأبناء هذه القبائل لحراسة مدنهم وقراهم. ترتب على ذلك حدوث هدوء في الأوضاع لدرجة أن سوق بعقوبة المركزي للخضر والفاكهة، والذي كان قد أغلق تماماً منذ ثلاثة شهور قد أصبح يعج الآن بالحركة والنشاط. فضلاً عما تقدم، أعادت القوات الأميركية الجيش العراقي الرسمي مرة أخرى إلى بعقوبة، ولكنها أوكلت أمر قيادته هذه المرة إلى قائد فرقة عراقي متقاعد (سني) عمل في جيش صدام حسين السابق، يحظى بالتقدير والاحترام وهو اللواء "سالم كريم صالح"، الذي كان لديه هو الآخر الرغبة في العمل مع الأميركيين للتخلص من العراقيين الموالين للقاعدة. ولكن السيد رعد التميمي محافظ ديالى أدلى لي بتصريح تعليقا على ما يحدث قال فيه: "إننا نمر بظروف كارثية الآن ونأمل أن تتفاعل معنا الحكومة المركزية في بغداد بشكل أفضل". إنني أتفهم تحفظ الشيعة على ما يطالب به السنة. فهم يرون أن السنة قد قاوموا كل شيء على مدار السنوات الخمس الماضية ثم يأتون الآن ليطالبوا بالخدمات الحكومية، بيد أنه يتعين علي مع ذلك القول إن التعاون مع السنة يصب في مصلحتنا، لأنه يؤدي إلى زيادة احتمالات نجاح الحل الوحيد الممكن هنا، وهو إقامة اتحاد فيدرالي فضفاض تسيطر فيه كل طائفة على مناطقها، وتعمل بغداد المُموَلة بعائدات النفط، كجهاز صراف آلي يقوم بتوزيع النقود بالعدل والقسطاس. هذه هي الطريقة الوحيدة التي يمكننا بها الخروج من هنا دون أن ينفجر العراق. أما بخلاف ذلك، فقد كان يجب علينا أن نفعل ما قاله لي مسؤول كردي في هذا الصدد وهو: "لو كنتم تريدون عراقاً موحداً، فإنه ما كان يجب عليكم أبدا أن تتخلصوا من صدام حسين، لأنه الرجل الوحيد الذي كان قادراً على إبقاء هذا البلد متماسكاً". ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "نيويورك تايمز"