اقترح معالي وزير التعليم العالي والبحث العلمي، وخلال لقائه أسرة جامعة الإمارات، مؤخراً، أن تقوم الجامعة بنفسها باتخاذ مبادرات نشطة لتوفير الموارد المالية اللازمة، مشيراً في هذا الصدد إلى إنشاء وقف مالي خاص بالجامعة، وأن تقوم الجامعة بتأسيس كراسي الأستاذية التي يمكن أن يتم تمويلها بدعم من المؤسسات والهيئات والأفراد في الدولة. هذه المقترحات بدورها تفتح الباب أمام قضية تمويل التعليم والتدريب، بحثاً عن حلول دائمة، وطرق بديلة للتمويل، في ظل محدودية الميزانية التي تخصصها الدولة للتعليم، والتي لا تتناسب بحال مع مقتضيات التطوير أو متطلبات النهوض بالعملية التعليمية، بما يتوافق مع متطلبات المرحلة. إن أزمة تمويل التعليم العالي لا تنحصر في جامعة الإمارات وحدها، بل تشمل كذلك كليات التقنية العليا وجميع المؤسسات التعليمية والتدريبية الاتحادية. فالنمو المضطرد في أعداد الملتحقين بالتعليم والتدريب يلقي مسؤولية ضخمة على الدولة في تمويل هذه الأنشطة، ما يجعل البحث عن مصادر أخرى بديلة للإنفاق على هذا القطاع، أمراً ملحاً بالنسبة إلى المهتمين بالتنمية البشرية في الدولة، كما يفرض دوراً أكثر أهمية وفاعلية على المجتمع بجميع قنواته وشرائحه للمساهمة بفعالية في تمويل التعليم والتدريب كأحد أهم روافد التنمية الشاملة. إن قضية تمويل التعليم والتدريب في دولة الإمارات تستفحل من عام لآخر، وإن مواجهة الطلب المتزايد على قطاع التعليم العالي والتدريب في الدولة، حيث بلغت نسبة التحاق خريجي الثانوية العامة بمؤسسات التعليم العالي خلال السنوات الماضية 95% للطالبات و80% للطلاب، وفي الوقت نفسه رفع كفاءة مخرجاته من حيث النوعية، والوصول بها إلى المستويات العالمية، يتطلب كل ذلك تمويلاً كافياً يتماشى مع هذه المتطلبات جميعها، ومن دونه سيكون هناك قصور مستمر ومتفاقم في مخرجات هذا القطاع كماً وكيفاً. هناك مقترحات أخرى عديدة بشأن تنمية المصادر المالية غير الحكومية لتمويل مؤسسات التعليم والتدريب، من ضمنها استخدام مؤسسات التعليم والتدريب نفسها كمكاتب استشارية ومراكز إنتاج، وتفعيل شراكة المجتمع بجميع قنواته وشرائحه، خاصة رجال الأعمال، للمساهمة بفعالية في دعم مسيرة تطوير التعليم والتدريب في الدولة، وذلك من خلال استراتيجية شاملة ذات طابع وطني، بعيداً عن تبني أنشطة تربوية وتدريبية متفرقة. بالنسبة إلى دور القطاع الخاص في تمويل التعليم والتدريب، فلابد من سن تشريعات واتخاذ إجراءات وضوابط وتقديم تسهيلات من شأنها تشجيع هذا القطاع على الاستثمار المجدي وغير الربحي في مجال التعليم والتدريب، والمساهمة في تمويله مع الحرص على الاختصاصات التي يحتاجها سوق العمل وعلى الجودة، من خلال تعليم متميز وشديد المرونة يتأقلم سريعاً مع متطلبات سوق العمل المحلية ومع التطورات العالمية المتلاحقة في شتى أنماط ومجالات الحياة. إن دولة الإمارات اليوم ليست بحاجة إلى مؤسسات تعليمية وتدريبية ضعيفة بقدر ما هي بحاجة إلى مؤسسات منافسة، كما أنها ليست بحاجة إلى جامعات جديدة، بقدر ما هي بحاجة إلى رؤية تعليمية وتدريبية جديدة. فكثير من المؤسسات الأكاديمية الخاصة تسير اليوم من دون أهداف واضحة ومن دون شخصية أكاديمية مستقلة تتشكل وتنمو مع الزمن، بل وتستمد معاييرها من السلبيات الموجودة في التعليم العام، كما تعاني خللاً متعدد الوجوه.