خلال أربعة أشهر من تشكيل الحكومة الكويتية، وهي تنتقل من أزمة إلى أخرى. وزيرة الصحة تقدمت باستقالتها لرئيس الحكومة انطلاقاً من مبدأ تحمل المسؤولية حول حريق مستشفى الجهراء الذي ذهب ضحيته عدد من المرضى. خطوة إيجابية من الوزيرة، لكن كيف سيستمر الحال لحكومة الشيخ ناصر المحمد الصباح التي أصبحت الآن خالية من 4 حقائب وزارية. رئيس الوزراء يواجه أزمة كبيرة في استمرار حكومته، خصوصاً بعد تصاعد أصوات نواب محسوبين على الحكومة يطالبونه بالرحيل، مما يعني أن الأزمة ليست في الوزراء وإنما قد تطال شخص رئيس الحكومة. البعض يرجع تأزم الوضع الكويتي إلى صراع خفي تقوده أطراف في الأسرة الحاكمة، بتعاون مع عدد من أعضاء مجلس الأمة. والبعض الآخر يفسر ما يحدث على أنه عدم قدرة رئيس الحكومة على حسم قضايا مهمة، وأنه يواجه بصعوبات مافيا الفساد التي تعرقل أي محاولة لإصلاح البيت الكويتي. الكويت تواجه أزمة حقيقية، ولم يعد من الحكمة أن تستمر الأوضاع على ما هي عليه، وقد حان الوقت لتدخل سمو أمير البلاد كي يضع نهاية لما يحدث في الشارع الكويتي. المؤشرات تؤكد أن عودة أمير البلاد ستحمل معها تغييرات كبيرة، وأن هناك أكثر من سيناريو ينتظر الكويت. البعض يعتقد أن أمير البلاد سيقدم على حل كل من الحكومة ومجلس الأمة والدعوة لانتخابات جديدة على أمل أن تنتهي الأزمات السياسية، والبعض الآخر يميل إلى حل البرلمان بطريقة غير دستورية وتشكيل حكومة جديدة والتفكير جدياً في مراجعة الدستور وتعديل بعض مواده... كلها سيناريوهات لا نعرف مدى صحتها، لكن المؤكد هو أن الوضع الحالي يتعذر استمراره، وأنه لم يعد بإمكان رئيس الحكومة الاستمرار في ظل الأزمات المتكررة. من الواضح أن الكويت تمر بمرحلة مخاض نتيجة لتجربتها الديمقراطية التي لم تتطور لصالح مشروع الدولة الوطنية، وتعثر التجربة يعود إلى سطوة قيم الثأر والتجاذب بين نواب المصالح والحكومة. الحكومة هي المسؤولة عن الوضع الحالي؛ إذ هي من أتاح للنواب مجال التدخل في أعمالها، وهي من فتح الأبواب لهم لتحقيق مصالح خاصة لأجل استمالتهم نحوها، وبالتالي فالحكومة تدفع ثمناً غالياً لتهاونها في تقديم مصالح النواب على مصلحة الدولة. الحكومة تعودت على شراء الذمم، وهي في الوقت نفسه ترفع شعار الإصلاح، مما يجعلها عاجزة عن التوفيق بين المصالح الخاصة وبين الإصلاح الذي طال انتظاره. أما المجلس فهو يمر بتحولات جذرية من حيث استخدام الأدوات الدستورية كوسيلة للتهديد عندما يقف أي وزير نحو تحقيق مصالح البعض من النواب. والسؤال هو حول قدرة الحكومة على الإيعاز لوزرائها بوقف جميع الاستثناءات وتطبيق القانون على الصغير والكبير! من المؤكد أن الحكومة لم تحسم أمرها ومازالت تساوم على الهيمنة على مجلس الأمة، مما يضعها في وضع يصعب فيه التوفيق بين الرغبات الخاصة والعامة. النموذج الكويتي يتعرض لمحاولات إجهاض، سواء من الحكومة أو من البرلمان، والشارع الكويتي يعيش إحباطاً عاماً نتيجةً لجمود الأوضاع وتوقف البت في قضايا مصيرية. القوى السياسية لم تعد فاعلة في ترشيد القرار السياسي، ومازالت حالة التنافر هي السائدة فيما بينها. الديمقراطية في الكويت تعيش تحولات خطيرة ولا يبدو أن القوى السياسية تستوعب حجم الأزمة التي ستواجهها البلاد في حالة بقاء حالة التجاذب والتوتر بين الحكومة ومجلس الأمة. القيادة السياسية في الكويت بحاجة إلى مراجعة الوضع برمته والعمل على إخراج البلاد من الأزمات المستمرة، ليس من خلال تعليق الديمقراطية، وإنما عبر اتخاذ القرار الحاسم حيال ملفات متراكمة، وخصوصاً فيما يتعلق بترتيب بيت الحكم.