اجتاحت أسواق الأسهم المحلية، خلال الأسابيع الماضية، موجة من الاضطرابات العنيفة التي قادتها أسهم شركة "إعمار" العقارية خفضاً ورفعاً. فبعد أن دفعت أزمة الرهن العقاري الأميركية أسهم "إعمار"، قبل أسبوعين، إلى أدنى مستوى لها في أكثر من عامين، حيث تعمل الشركة في أسواق أميركية رئيسية تأثّرت سلباً بضعف سوق الرهن العقاري هناك، عاد سهم "إعمار" مرة أخرى، خلال جلسة نهاية الأسبوع الماضي، ليقود السوق المحلية لتحقيق أعلى مكاسب لها خلال يوم واحد في أكثر من عام. وبهذه الكيفية، تظلّ "إعمار" مصدر اضطراب مستمر لأسواق الأسهم المحلية، بل وسيزداد تأثيرها سلباً وإيجاباً في السوق خلال المرحلة المقبلة، في ظلّ انفتاحها المتزايد على الأسواق العالمية شرقاً وغرباً. فرغم الارتفاع الكبير في عدد الشركات المدرجة في سوق الأسهم المحلية، والذي يصل إلى نحو 100 شركة، فإن السوق الثانوية لا تزال تعاني تركّزَ التداول على أسهم شركات محدودة دون غيرها، حيث يظلّ مؤشر سعر أسهم شركة "إعمار" يشكّل المحرك الأساسي لهذه السوق صعوداً وهبوطاً. وهي ظاهرة خطيرة ولافتة للنظر لأصحاب القرار من حيث أهمية العوامل النفسية لحركة سعر أسهم شركة "إعمار" في توجيه حركة سوق الأسهم كلها، حيث يعكس هذا الارتباط جانباً مهماً من الاختلالات الهيكلية العميقة التي لا تزال تعانيها هذه السوق، والتي تتسع مساحاتها وتتنوّع أوجهها، وتدفع باستمرار نحو تركيز التداول في قطاع الخدمات، وضمن هذا القطاع التركيز على شركات محدودة دون غيرها. إن ما تحدثه أسعار أسهم شركة "إعمار" في أسواق الأسهم المحلية من تأثيرات يشبه في كيفيته ما تحدثه أسعار النفط في الاقتصاد الوطني، إذ إن مصلحة الاقتصاد ومصلحة المستثمرين تقتضيان معالجة هذه الاختلالات على المستويين. إن مثل هذه السوق التي تعاني أيضاً سيطرة المضاربين وضعف الاستثمار المؤسسي طويل الأجل وضعف مستوى الإفصاح والشفافية والوعي الاستثماري، بحاجة ماسّة إلى تنويع الفرص الاستثمارية على أكبر عدد ممكن من القطاعات والشركات المساهمة، بحيث لا يتم حصرها ضمن قطاع محدّد فيما يظلّ هناك نقص في الشركات المؤسسة ضمن قطاعات أخرى حيوية للاقتصاد الوطني. إن المرحلة المقبلة تقتضي العمل من خلال آليات وتحرّكات فعّالة تدفع في هذا الاتجاه، والتركيز على إعادة توزيع الثقل القيادي للشركات المدرجة في السوق، وتوجيه رؤوس الأموال من القطاعات الخدمية إلى الإنتاجية، وأن يتم تفعيل دور أسواق الأسهم في دعم التنمية الاقتصادية، وذلك من خلال تفعيل دورها في تمويل المشاريع الرئيسية بشكل أوسع، مما يتطلّب بدوره كثيراً من العمل، تشريعياً وتنظيمياً وإدارياً واقتصادياً، وربما ثقافياً واجتماعياً، أيضاً، بما يتوافق والتطوّرات المحلية والإقليمية والعالمية المحيطة. فالسوق المحلية بحاجة إلى تأسيس شركات صناعية أكثر من حاجتها لزيادة عدد الشركات العقارية والتجارية، حيث تعد الصناعة المحرّك الرئيسي لمستقبل الاقتصاد وقطاعاته المختلفة، ولكن غياب التمويل اللازم لدعمها وعدم وجود خطة لتطويرها لا يزال عائقاً أمام تأسيس شركات صناعية جديدة. هذه المعالجات وحدها كفيلة بأن تخرج السوق من طور المراهقة الذي تعيشه حالياً إلى مرحلة النضج وإلى رحاب الاستقرار والنمو، وتحوّلها من أداة للمضاربات ومعالجة الشائعات إلى داعم حقيقي للتنمية الاقتصادية في الدولة، وهو الدور الذي لا يزال مفقوداً لهذه السوق. عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية