نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" مؤخراً تقريراً عن تدفق العقول الغربية على الإمارات، حيث اعتبرت أن بعض هؤلاء تجذبه الامتيازات المالية وعدم وجود ضرائب، فيما يأتي الآخر بغرض الدخول في تجربة عمل في بيئة ثقافية مختلفة، كما يجد البعض فيها فرصة لتجديد حياة مهنية توقفت. ما لم يذكره تقرير "نيويورك تايمز" من مغريات القدوم إلى الإمارات كذلك هو جو الأعمال والاستثمار المنتعش والمتسارع وبالتالي الإبداع الذي يكون بلا حدود. فعلى أرض الإمارات يستطيع كل صاحب فكرة متميزة ومثيرة أن يطبق فكرته لترى النور، وهذا ما لا يتاح في كثير من الدول، وهو ما يبحث عنه المتميزون دائماً ويسعون إليه حيثما كان. وما لم يشرْ إليه أيضاً تقرير "نيويورك تايمز" أن الإمارات تتميز -ولله الحمد- ببيئة اجتماعية وثقافية منفتحة ومسالمة، وأن هذا المجتمع يحب السلام، وكل من يعيش في الإمارات يصبح محباً للسلام والخير للجميع... وكل إنسان يبحث عن مكان يعيش فيه بسلام يأمن فيه على نفسه وأطفاله ويكسب معاشه بهدوء. لم يذكر التقرير أيضاً أن مجتمع الإمارات يتميز بتسامحه الديني، فالإنسان الإماراتي يتعايش مع الآخر مهما كانت ديانته وأفكاره، وهذا الأمر انسحب على كل من يأتي ليعيش في الإمارات، وبالتالي صار من يعيش فيها يشعر بتقبل الآخر، لأن المجتمع بشكل عام مجتمع متسامح بعيد عن التطرف يقبل الآخر ما دام الآخر يعرف حدوده ويحترم حريات الآخرين. كما لم يذكر التقرير أن مواطني الإمارات يتعايشون مع الآخر ويقبلونه بسهولة وبسرعة -إلا فئة قليلة وهي نجدها في أي مجتمع وفي أي بلد في العالم- وهذا طبيعي فنحن لا نعيش في الدولة الفاضلة، ولكنني اعتقد أننا نتمتع "بالأفضلية" عن غيرنا من دول العالم وهذا بحد ذاته أمر يجعل أي إنسان من أية جنسية في العالم يقبل القدوم إلى الإمارات بل ويرغب في العيش والعمل في هذا البلد لأطول وقت ممكن. عدد الدول على هذه الكرة الأرضية هو 210 دول -بدون بعض الإمارات كموناكو أو أندورا فهي عبارة عن مدن مستقلة- وبالنسبة لعدد الدول الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة فلا تتجاوز 192 دولة. أما دولة الإمارات فيعيش فيها اليوم مواطنون من أكثر من 203 دول، وهذا يعني أن الإمارات تضم أغلب شعوب الأرض، ويعيش فيها مواطنون من دول ليست عضواً في الأمم المتحدة، كما يعيش فيها مواطنون من دول غنية ودول فقيرة، ويعيش فيها مواطنون من دول عظمى وأخرى ضعيفة. لقد اتسعت أرض الإمارات كي تضم كل تلك الشعوب بمختلف حضاراتها وتاريخها وثقافتها ولغاتها.. والجميل أن كل أولئك البشر يعيشون في بوتقة إماراتية واحدة يندمجون فيها ويتبادلون الخبرات والثقافات والعادات والأفكار ويشعرون بإثارة كبيرة كل يوم، فمن النادر أن تعيش في بلد تلتقي فيه كل شعوب الأرض ويقبل بعضها الآخر كما يحدث في الإمارات.. ينظر البعض إلى هذا الخليط الكبير من البشر في الإمارات من زاوية سلبية ويركز كثيراً على تأثيره على التركيبة السكانية وخللها وبالتالي تأثيره على ثقافة المجتمع وتركيبته الاجتماعية... وأعتقد أن هذا هو الجانب السلبي من الموضوع، وهناك جانب إيجابي لا يجب تغافله وهو التعايش بين هذه الثقافات واختلاطها وهذا مكسب كبير لا يجب أن نقلل منه... ومن المهم بدلاً من أن نلعن الظلام بانتقاد التركيبة السكانية وكثرة غير المواطنين في البلد -وإلى أن يأتي اليوم الذي نستطيع فيه أن نصلح من وضع تلك التركيبة المعقدة- أن نضيء شمعة من خلال إيصال ثقافتنا الإماراتية وعاداتنا وتقاليدنا العربية الأصلية وكذلك تاريخنا وجغرافيتنا إلى هؤلاء الناس كي يعرفوا عن هذا البلد بأقل جهد وفي أقصر وقت، فكلهم موجودون في مكان واحد وعلى رقعة جغرافية صغيرة يمكن الوصول إليهم بسهولة. الإمارات تستقبل كل المبدعين والمتميزين وأصحاب العقول المتميزة فضلاً عن العمالة الماهرة. ومن الطبيعي أن تحرص الإمارات على استيراد العقول المتميزة، فكثير من الدول كالولايات المتحدة وكندا وألمانيا وغيرها غيرت قوانينها من أجل دعم العقول المتميزة من أبنائها ومن أجل الحفاظ على عقول أتت إليها من الخارج. وفي بلد صغير جغرافياً وديموغرافياً كالإمارات قد نكون بحاجة إلى العقول المتميزة كي نواصل انطلاقتنا الكبيرة في عصر لا يعترف إلا بالتميز وبالعمل الجاد. العقول تهاجر إلى مختلف دول العالم إلا أن العقول الإماراتية تبقى على أرضها، بل تجذب هذه الأرض أفضل العقول العربية وعقولاً من الشرق ومن الغرب... إنها أرض المتميزين والناجحين والباحثين عن التميز وربما عن الخلود والمجد. والخطوة التالية بعد جذب العقول من الخارج من المهم أن نعمل على تنمية العقول في الداخل ونعرف كيف نحافظ على العقول الإماراتية المتميزة ونشجعها على الاستمرار في العطاء والتميز. وفي مسألة هجرة العقول كشف تحليل للبنك الدولي قدم إلى صحيفة "نيويورك تايمز" أن عدد المهاجرين من خريجي الكليات في دول الغرب الغنية ارتفع بنسبة 70% بين عامي 1990 و2000. وهذا يؤكد أن الهجرة لم تعد مقتصرة على الفقراء فقط وإن كانوا هم الأغلبية ولكن السنوات الماضية شهدت هجرة للعقول المتميزة، ويؤكد ذلك أيضاً مسؤول في معهد أبحاث السياسة العامة، في لندن فيقول: "نحن متمسكون بمفهوم أن الهجرة مرتبطة بالناس الفقراء الذين ينتقلون إلى بلدان غنية. ولكن هناك كثيراً من الناس يتنقلون بين بلدان غنية، وأشخاصاً من بلدان غنية يتنقلون على نحو متزايد في مختلف أنحاء العالم. فالهجرة شارع بمسارين". والجيد أن الإمارات صارت إحدى أهم مناطق الجذب لتلك العقول المهاجرة من الغرب. ومن الجيد أن نشير إلى الدراسة التي نشرت عام 2004 وأظهرت أن هجرة العقول العربية تكلف العالم العربي أكثر من 200 مليار دولار، وأن الدول الغربية هي الرابح الأكبر من تلك الهجرة. وأتمنى أن يكون هذا الرقم انخفض قليلاً بعد أن فتحت الإمارات أبوابها للمتميزين، ليس من العرب فقط، وإنما من الغربيين والشرقيين أيضاً... كما أتوقع أن يكون عدد العقول العربية المهاجرة، التي تقدر بنصف مليون تقريباً، قد توقف عند ذلك الحد بعد أن صارت الإمارات تستقبل العقول وتعيد بعض الطيور العربية المهاجرة. حتى لا يخلط البعض الأمور، فبالتأكيد إنني لا أتكلم اليوم عن مشاكل العمالة وعن بعض التصرفات الشخصية لأصحاب بعض الشركات في الإساءة لعمالها، ولا أتحدث عن تصرفات فئة قليلة من المقيمين الذين يرتكبون أخطاء فادحة مستغيلن الانفتاح الذي تتميز به الدولة... فهذا يحدث في كل مكان والدول تتخذ إجراءاتها القانونية، لكن ما أتحدث عنه هو ذلك الشيء المثير والكم الهائل من الخبرات التي صارت تختار الإمارات كمكان مفضل لها. أخيراً فقد استطاعت الإمارات رغم موقعها الجغرافي في منطقة لا تهدأ فيها التوترات، فحرب هناك واحتلال على الجانب الآخر واضطراب في بلد وتهديدات في بلد آخر، إلا أنه -بفضل الله وفضل القيادة الحكيمة للدولة- فإن من يأتي إلى الإمارات لا يشعر إلا بالأمن والأمان... وكذلك رغم جو الإمارات الحار والمناخ الصحراوي اللاهب، إلا أن البشر الذين يأتون إلى هذه الأرض يحبونها ويستمتعون بكل ما فيها، وهذه نعمة نحسد عليها لكنها لم تأت بالصدفة وإنما جاءت نتيجة عمل وجد ونتيجة عقود من التعامل الطيب من شعب الإمارات مع شعوب العالم ومع كل من يعيش بيننا.