من يتابع التصريحات والبيانات التي تبرزها وسائل الإعلام وتلك الأخبار التي تتصدر الصحف العالمية مؤخراً، يجدْ الحديث فيها عن المستقبل السياسي والأمني للعراق هو الأكثر بروزاً وشيوعاً مقارنة بغيره من الأحداث. ويجد المتابع أيضاً في ذلك الحديث أن معظم دول العالم بما فيها الكثير من الدول العربية، بدأت تتخلى عن دعم العراق، وأن الاهتمامات الداخلية لكل دولة من تلك الدول طغت على الاهتمام بالوضع العراقي. والمحزن في كل ذلك أن العراقيين أنفسهم، كقادة سياسيين، بدأوا بالتنصل من مسؤولية إنقاذ العراق، أو هكذا أرى بعد أن طغت المصالح الطائفية على مصالح الشعب العراقي، فالكل يتهم الكل، والكل يقتل في الكل، والكل يصارع الكل سياسياً وعسكرياً ودينياً! التخلي عن العراق، بدأ يزداد وينمو بأكثر مما كان عليه الحال في كل الأوقات والفترات السابقة منذ احتلاله قبل أربع سنوات، ففي الولايات المتحدة هناك مطالب وضغوط بالانسحاب التدريجي، وفي العراق هناك صراع بين السياسيين واختلافات مصلحية وطائفية أكثر منها سياسية، وفي الجوار إما سكوت عما يحدث وإما تدخل سافر في الشؤون الداخلية في العراق، كما يحدث من جانب إيران. وحيث يكون الحديث بمثل هذه الكثافة وهذا الزخم وعلى مثل هذه المستويات السياسية ومن قبل دول معروف موقفها من العراق، يمكننا الجزم بأن الوضع بات خطيراً أو أنه أقرب إلى حافة هاوية يعلم الله وحده مداها، وبالتالي لا بد للمتابع أن يتخوف من حدوث ورطة حقيقية ليس في العراق فقط بل في المنطقة كلها. الأخبار والتحليلات الآتية من داخل العراق وخارجه، تشير إلى أن الأوضاع داخله تسير من سيئ إلى أسوأ، رغم كل هذه الفترة من رحيل النظام البائد، فمعدلات القتل اليومي في ازدياد بحسب الإحصاءات المنشورة. استنتاج فرضية التخلي عن العراق يمكن التوصل إليها من خلال الضغوط التي تواجهها إدارة بوش للانسحاب من العراق، فرغم أن البيت الأبيض لم يزل يتشبث بآخر أمل له في البقاء، لكن من الواضح أن تنامي هذه الضغوط قد يدفع بوش إلى التراجع خصوصاً في ظل الانسحابات المتوالية والهروب المتواصل من سفينته الرئاسية التي لم يتبق له فيها من صديق مخلص سوى وزيرة الخارجية كونداليزا رايس ونائبه ديك تشيني الذي فقد كثيراً من مصداقيته وبدأ يختفي تدريجياً في مواجهة طوفان منتقدي الحرب من "جمهوريين" و"ديمقراطيين". المؤلم حقاً، هو أن نقرأ كل تلك البيانات والتصريحات عن خطر انتقال عدوى الحرب الطائفية في العراق وعن التكلفة التي يمكن أن يدفعها الجميع، وفي مقدمتهم العراقيون والعرب إن نشبت -لا سمح الله- حرب أهلية في العراق، ومع ذلك لا نجد من يحرك ساكناً لتفادي هذا الخطر الجسيم ولا نجد من يطرح بديلاً عربياً أو مخرجاً إقليمياً جدياً يساعد العراقيين في الخروج من محنة ألمت بهم وفشل في إنقاذهم منها ساسة غرقوا حتى النخاع في الولاءات الإقليمية والدولية وفي الدفاع عن ولاءات طائفية وعرقية دون حرص على مصلحة أسمى وأشمل هي مصلحة الشعب العراقي بأكمله. السؤال الذي يتداوله الجميع الآن هو: من المسؤول عن تردي الأوضاع أمنياً وسياسياً؟ بغض النظر عن المأزق الأميركي في العراق الذي يتحدث عنه الكثيرون وبغض النظر عن البحث في الإجابة على ذلك التساؤل وعن جسامة الأخطاء التي وقع فيها نور المالكي، فإن استمرار تبادل الاتهامات وإلقاء كل طرف اللومَ على الآخر، بأنه السبب في المأساة العراقية أو إطاحة حكومة المالكي... قد لا يحل المشكلة ولن يحمي العراقيين من الكارثة. ولمن يعتقدون في المنطقة بأنهم سيكونون بمنأى عما سيحدث في العراق باعتبار أن الأمر حرباً داخلية، فإنهم يتجاهلون تأثيرات الصراع العراقي على الجوار الجغرافي العربي وغيره. المطلوب هو اعتبار العراق ملفاً عربياً ساخناً بالفعل لا بالكلام، وأن يتحرك القادة العرب كي لا يضيف التاريخ كارثة عربية جديدة إلى واقعنا.