طه حسيب ---------------- عقبات أمام "حفظ السلام" في دارفور... ودعاة "الحمائية" يستهدفون المنتجات الصينية ما هي التعقيدات التي تواجه القوات الأممية في دارفور؟ ولماذا تدافع بكين عن شعار "صنع في الصين"؟ وكيف أسفرت الأحادية عن مزيد من التوتر في النظام الدولي؟ تساؤلات نعرض للإجابة عليها ضمن إطلالة سريعة على بعض الصحف الدولية. "خيارات معيبة لصناع السلام في دارفور" بهذه العبارة عنون "ريتشارد فيتز" مقاله المنشور يوم الأحد الماضي في "جابان تايمز" اليابانية، مشيراً إلى أن قوات حفظ السلام البالغ عددها 20 ألف جندي والتي ستنضم إلى قوات الاتحاد الأفريقي الموجودة حالياً في دارفور وقوامها 7 آلاف جندي، ستواجه عقباتٍ تجعل من الصعب على هذه القوات الهجينة التوصلَ إلى تسوية سلمية للنزاع الدائر في دارفور. "فيتز"، وهو مدير برنامج الإدارة في معهد "هيدسون" يرى أنه رغم الضغوط التي مارسها الأمين العام للأمم المتحدة لمنح تفويض للقوة المشتركة في دارفور، فإن ثمة حكوماتٍ تقف عقبةً كأداء أمام مهمة هذه القوات. وضمن هذا الإطار، وبتشجيع من الحكومة السودانية، عرقلت روسيا والصين قراراً أممياً تبنته بريطانيا يسمح للقوات الهجينة في الإقليم بـ"استخدام الوسائل الضرورية" لحماية موظفي الإغاثة الإنسانية في دارفور، وطالب سفير السودان في الأمم المتحدة بصياغة قرار آخر على أن تكون لهجته "أكثر صداقة للسودان". وحسب "جان ماري غينو" رئيس عمليات حفظ السلام الأممية، فإن أي قوة هجينة لابد أن تكون قوية لتصبح قادرة على مواجهة التحديات الراهنة في هذا الإقليم السوداني المضطرب، لكن التمويل المقترح لتفعيل دور هذه القوات هو مليارا دولار خلال العام الأول لنشرها في دارفور، غير أن المهمة الأممية تصطدم بالقيود التي فرضتها الولايات المتحدة على مساهمتها في ميزانية قوات حفظ السلام الأممية، والتي لا تتجاوز نصف مليار دولار سنوياً، وربما تصل المساهمة الأميركية إلى مليار دولار بنهاية العام الحالي، كما أن الاتحاد الأوروبي يجد صعوباتٍ في الوفاء بالتزاماته المالية تجاه قوات الاتحاد الأفريقي الموجودة في دارفور. على صعيد آخر ثمة مشكلة تتعلق بتقسيم العمل والمسؤوليات في القوات الهجينة (أممية- أفريقية) التي ستعمل على حفظ السلام في دارفور، فالقادة الأفارقة يصرون على ضرورة أن تسيطر قوات الاتحاد الأفريقي على أي قوة لحفظ السلام داخل الإقليم، وهم يفضلون الحصول على تمويل أممي وعلى دعم في مجالات أخرى، شريطة أن تلعب قوات الاتحاد الأفريقي دوراً قيادياً في المهمة. لكن الحكومات الغربية ترفض وضع قواتها تحت قيادة أفريقية، وذلك استناداً إلى ضعف قوات الاتحاد الأفريقي، وهذه الحكومات تجعل دعمها لعملية حفظ السلام في دارفور مشروطاً بالعمل تحت قيادة أممية، مما يجعل من الصعب على الأمم المتحدة جذب متطوعين للعمل في دارفور، خاصة أن الحكومات الأجنبية وافقت على مطالب الخرطوم المتمثلة في هيمنة القوات الأفريقية على القوة الهجينة المقرر نشرها في دارفور. وفي الوقت ذا ته ثمة سلسلة معقدة من الأوامر التي يفترض أن هذه القوة ستعمل من خلالها مما يعيد إلى الأذهان الجوانب السلبية للعمليات المشتركة بين "الناتو" والأمم المتحدة في يوغسلافيا السابقة إبان عقد التسعينات. وإذا كانت القوات الأممية معنية بتحقيق الأهداف الاستراتيجية لحفظ السلام في دارفور، على أساس أن تتولى القوات الأفريقية مهام تكتيكية فإن نظاماً للعمل على هذا النحو سيجعل من الصعب التفاعل بسرعة مع التهديدات والأزمات في دارفور. "صُنع في الصين" تحت هذا العنوان، نشرت "تشينا ديلي" الصينية يوم الجمعة الماضي افتتاحية طرحت في مستهلها العنوان التالي: ما الذي تلخصه عبارة "صنع في الصين"؟ الصحيفة أشارت إلى أن هذه العبارة كانت مرتبطة طوال العقدين الماضيين بمستهلكي السلع الرخيصة، غير أن العولمة أضافت إليها الكثير من العناصر، لتجعلها تحمل دلالات تشير إلى عملية طويلة ومعقدة تبدأ من الإنتاج وتنتهي بالبيع. وفي الواقع، فإن أكثر من 58% من المنتجات التي تحمل عبارة "صنع في الصين" يتم تصديرها بواسطة شركات عالمية، مما يؤكد قيمة هذه العبارة. فمع زيادة حجم التجارة بين الولايات المتحدة والصين إلى ما يقارب مائة ضعف خلال السنوات الـ28 الماضية، فإن شعار "صنع في الصين" لعب دوراً مهماً في تحقيق هذه الطفرة التجارية، والأميركيون والصينيون استفادوا من المنتجات التي تحمل هذه العبارة. إنه من غير المنصف وغير المبرر أيضاً تضخيم المشكلات المتعلقة بسلامة بعض المنتجات المصنوعة في الصين كلُعب الأطفال أو المواد الغذائية، أي التي يتم إنتاجها في الصين لصالح شركات أجنبية، وتعميمها على كافة المنتجات الصينية الصنع. التقارير التي توجه النقد لبعض المنتجات الصينية تم توظيفها في الولايات المتحدة لصالح دعاة الحمائية التجارية ولصالح الراغبين في وضع قيود على استيراد المنتجات الصينية، وهذا ما سيجعل الأميركيين والصينيين يعانون. "تعاون لا مواجهة" اختار "هانز بليكس" هذه العبارة عنواناً لمقاله المنشور يوم أمس الاثنين في "سيدني مورنينج هيرالد" الأسترالية، مشيراً إلى أنه كانت لدى العالم في نهاية الحرب الباردة فرصة لتدشين نظام أمني جماعي جديد، لكن هذه الفرصة سرعان ما اختفت، لأن الولايات المتحدة انتهجت طريق الأحادية الذي من خلاله أصبحت الأمم المتحدة والقانون الدولي وقضايا نزع السلاح خارج السياق الأميركي. "بليكس" الذي شغل منصب كبير مفتشي الأمم المتحدة على الأسلحة يرى أنه في منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين تراجعت ثقة الولايات المتحدة في المفاوضات الدولية المعنية بقضايا نزع التسلح، والنتيجة أنه بدلاً من التفاوض حول نزع السلاح، أقدمت الدول النووية على تحديث ترساناتها النووية، وفي عام 2006 أجرت كوريا الشمالية تجربة نووية لتستعرض أمام العالم قدرتها على صناعة قنبلة نووية، وعلى خلفية القرار الأميركي الخاص بنشر أجزاء من الدرع الصاروخية في بولندا وجمهورية التشيك، أعلنت روسيا انسحابها من معاهدة الأسلحة التقليدية في أوروبا، كما طورت الصين قدراتها الفضائية وهو ما تأكد عندما أسقطت قمراً اصطناعياً متهالكاً بصاروخ باليستي. هذه التطورات تبعث على القلق، ناهيك عن كونها تتناقض مع الواقع العالمي الذي لم يعد يشهد تباينات أيدولوجية بين القوى الكبرى. إن الفشل و الكلفة الباهظة المغامرات العسكرية في العراق وفي لبنان ربما يشيران إلى محدودية الاستراتيجية العسكرية في تحقيق أهداف السياسة الخارجية. غير أنه من المشجع التحول باتجاه التفاوض مع كوريا الشمالية لإيجاد حل لأزمتها النووية، خاصة أن التلويح بالعصا قد يسفر عن نتائج عكسية، ومن ثم البديل هو تقديم "الجزرات" المناسبة لاحتواء الأزمة، وهو سيناريو يمكن تطبيقه في الحالة الإيرانية. العالم في حاجة إلى التعاون وإلى البحث عن حلول جماعية من أجل حماية الأرض من التغير المناخي وتدمير البيئة والتصدي للإرهاب والجريمة المنظمة، والأهم التعاون لإحلال السلام.