العالم العربي عالم مُؤذٍ لشعوبه، ومُضيع لثرواته بشكل جنوني غير مسبوق في تاريخ البشرية. ففي كل يوم نسمع في الأخبار: سودانيون يهربون من السودان، التي كانت سلة الخبز في العالم العربي في الماضي, ليدخلوا إلى إسرائيل بدلاً من مصر! لقد فضلوا العيش مع العدو لأنه لو قبل بهم سيحفظ كرامتهم ويؤّمن لهم لقمة كريمة وعيشاً شريفاً. والجزائريون يصدِّرون الغاز إلى فرنسا، في حين يهرب الشعب من الجزائر, بلده وموطنه، إلى فرنسا، بحثا عن عيش كريم يحفظ الكرامة، وحياة آمنة في ظل نظام عادل، وكذلك الأمر مع الصوماليين والمغاربة، ولبنان الزاخر بالخيرات والجمال، يهرب منه اللبنانيون إلى فرنسا، بحثاً عن أمن وعيش كريم، والمصريون يقفون عند أبواب السفارات للهروب من وطنهم إلى بريطانيا وأميركا وإيطاليا، بحثاً عن عمل شريف، وأما العراق فلم يكفه لاجئو الخارج، ليضيف إليهم لاجئي الداخل. تخيلوا إنساناً لاجئاً في وطنه؟! والخليجيون اليوم في نعمة وعيش رغيد، لكن لا نعلم ما يخبئه الغد لأحفادنا؟ في هذا العالم العربي حيث يعيش الاستبداد ويتعيّش على كرامة الناس ولقمة عيشهم، لا تضيع ثروات الدولة المادية من المصادر الطبيعية، بل يضيع ما هو أثمن من ذلك، الشعوب التي تجد معظم المواطنين فيها، خاصة من الشباب، يفكر في الهجرة إلى الغرب، الذي كان مستعمراً له ولوطنه في يوم من الأيام! وماذا يبقى للوطن، أي وطن إذا ما غادره شبابه بحثاً عن لقمة عيش شريف، وكرامة محفوظة، وأمن دائم في ظل حقوق وواجبات واضحة؟ والأشدّ مرارة من هذا كله، أن الدولة ذاتها لا يهمها هذا الأمر في شيء، وكأنه غير موجود! لا يهمها شباب يعرض نفسه للموت عبر الأمواج البحرية القاتلة، التي قد تلقي به جثة هامدة على ضفاف بلد غريب، كما لا يهمها ضياع الثروات العامة. جميع الدول العربية التي يفكر مواطنوها بالهجرة، دول مجرمة بحق الحياة البشرية، وتضييع الثروات العامة. لماذا يندفع شباب دول غنية مثل الجزائر ودول جميلة مثل لبنان، أو شاسعة وذات خيرات دفينة مثل السودان ومصر، إلى الهجرة، تاركين الأوطان وراء ظهورهم؟ الإجابة ببساطة، لأن العيش بدون كرامة ولقمة عيش نظيفة غير متوفر في هذه الدول رغم غناها وثرواتها. إنها دول ينعدم فيها الأمن الشخصي، حيث يكون الإنسان عرضة للخطف أو التنكيل على أيدي القوى الأمنية، وحيث لا عدل، واستبداد في الحريات الفكرية والمدنية. ويخطئ من يعتقد أن الإنسان العربي يطلب ما هو غير مستطاع لدى حكومات بلاده. فالإنسان العربي مثل أي إنسان في العالم، يريد عدلاً وأمناً وتعليماً وعيشاً كريماً مستوراً عن ذل الحاجة. وللأسف أن معظم الحكومات العربية تتعمد عدم توفير هذه الاحتياجات الإنسانية البسيطة، لا لشيء سوى مجرد إذلال الإنسان حتى لا يفكر في التمرد على الحكومة. من جانب آخر, نجد الإنسان العربي يفضل الهروب من الوطن على الكفاح من أجل وطن حقيقي يحفظ الكرامة ويوفر العمل الشريف. الشعوب العربية تتسم بالجبن والخوف، وكأنها خلت من الرجال الحقيقيين، وبالتالي يتحمل كل شعب مسؤولية ما يحدث له، برغم حقيقة أن المواجهة مع الأنظمة البوليسية الاستبدادية ليست بالأمر السهل، إلا أن الحل الوحيد أمام الشعوب العربية للحد من ضياع ثروتي الشباب والمال العام، هو مواجهة الحكومات، من خلال الأدوات الدستورية قدر الإمكان، لكن هذه الشعوب لا تنظر إلى المستقبل قدر نظرتها للحاضر ومصالحها الخاصة، ومن ثم لا تُحسن اختيار من يمثلها في البرلمان ليدافع عن حقوقها. ومن المعروف في علم السياسة، أن الشعوب السيئة لا يمكن أن تحصل على حكومات جيدة.