فيما تتابع الأسواق العالمية عن كثب هذه الأيام التطوّرات الدرامية لسحب ملايين لعب الأطفال التي تصنّعها الصين بسبب خطرها على صحّة الأطفال لاحتوائها على مواد سامة، تغرق الأسواق المحلية في ظلام دامس حول معايير جودة المنتجات الصينية في ظل غياب دور فعّال لأجهزة الرقابة المحلية واعتمادها على ردّ الفعل من الخارج بدلاً من المبادرة الذاتية. بالأمس حذّر أطباء ومسؤولون في وزارة الصحة من وجود معاجين أسنان "مجهولة" المصدر وأخرى قادمة من الصين وتباع في الأسواق المحلية تحتوي على مواد سامة، وقد يتسبّب استخدامها في أمراض خطيرة، مثل الفشل الكلوي وأمراض الكبد وتجلّطات المخ. قد لا تكون هناك مشكلة تجارية ملحّة في أن تغرق المنتجات الصينية رخيصة الثمن السوق المحلية، حيث تمثل دولة الإمارات الشريك التجاري الأول للصين في المنطقة، ولكن المشكلة تكمن في نوعية المنتجات الصينية وخطورتها المباشرة على صحة المستهلك المحلي، في ظل ضعف الرقابة على جودة وسلامة هذه المنتجات، فيما تراخت الرقابة الصينية على الجودة والمواصفات، بينما انشغلت الشركات الصينية بالتوسّع في الإنتاج والتصدير لبقية دول العالم. وقد بلغت حصة الصناعة الصينية من المواد التي طلبت "هيئة حماية المستهلك الأميركية" سحبها خلال العام الجاري أكثر من 60%، كما كانت الشركات الصينية في العام الماضي مسؤولة عن أكثر من 450 منتجاً تحتوي على عيوب أبلغ عنها "نظام حماية المستهلكين الأوروبي". المستهلك العادي يلاحظ أن المنتجات والسلع والبضائع المتوافرة في السوق المحلية تعود في أصل منشئها إلى الصين أكثر من أي دولة أخرى، في ظلّ تنامي صادرات الصين إلى الإمارات بمعدّلات كبيرة غير مسبوقة خلال الفترة الماضية. ففي ظلّ الضغوط التضخمية التي تعيشها الإمارات حالياً، والتي أحد أسبابها ضعف قيمة الدولار في الأسواق العالمية، أصبحت الواردات الإماراتية تتركز بصورة متزايدة على المنتجات الصينية والكورية والتايوانية، وهي منتجات معروف عنها انخفاض أسعارها بدرجة كبيرة مقارنة بأسعار المنتجات في الدول الصناعية، خاصة الأوروبية واليابانية، ذات الجودة العالية. إن إحصاءات التجارة الخارجية الصينية تشير إلى أن إجمالي حجم التجارة بين دولة الإمارات والصين قفز من أقل من 4 مليارات دولار عام 2003 إلى أكثر من 13 مليار دولار العام الماضي، بينما يتوقع أن يتجاوز إجمالي التجارة بين البلدين 15 مليار دولار هذا العام. إلا أن القسط الأكبر من هذه التعاملات التجارية، وما يعادل 80% تقريباً، يأتي في شكل صادرات صينية إلى السوق الإماراتية، حيث استوردت دولة الإمارات من الصين ما قيمته أكثر من 10 مليارات دولار العام الماضي، بينما صدّرت لها منتجات وسلعاً تقلّ قيمتها عن ثلاثة مليارات دولار، ما يجعل السوق الإماراتية أكبر سوق للسلع وللمنتجات الصينية في المنطقة. رغم كل ذلك، يجب الإشارة إلى أن انتهاك معايير السلامة ليس حكراً على الصين، إذ إن ظاهرة العيوب التصنيعية ليست محصورة في الشركات الصينية وحدها، بل هناك عيوب لا تقلّ خطراً تتكرّر من حين لآخر في الصناعات المتطوّرة في الدول الصناعية الكبرى، في ظلّ حمى التنافس العالمي وضيق الوقت. وهذا بدوره يؤكد ضرورة تطوير أجهزة الرقابة المحلية وتوفير الإمكانيات الفنية والبشرية كافّة لها التي تساعدها على الوقوف بالمرصاد لأي تجاوزات قد تشكّل خطراً على المستهلك المحلي، بصرف النظر عن مصدر هذه التجاوزات، محلياً أو خارجياً، بدلاً من الاعتماد على ردّ الفعل الخارجية. عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية