أليس من اللافت أن هناك هوساً دينياً يجوب العالم؟! مع زلة لسان بوش كان الفكر الدافع لمحاربة الإرهاب هو الفكر الصليبي الذي لابد أن ينبري للدفاع عن معتقدات موجهة ضد إرهاب إسلامي عنيف مغموس برغبة محمومة في الانتقام والدماء. وفي الأنظمة العربية المسلمة، صار هناك هوس الرقابة والمتابعة وفتح ملفات تحقيق تبدأ ولا تنتهي، وصار الخارج من مسجد بعد صلاة الفجر متهماً إلى أن يثبت انقطاع صلته بدينه خارج إطار المسجد والصلاة، وامتدت الشكوك لتطال أصحاب اللحى. ورغم أن اليهود والسيخ يطيلون لحاهم إلا أنهم لا يتعرضون لمثل هذه الشكوك ولا تعتبر لحاهم -التي هي حرية شخصية- رمزاً دينياً لابد أن يجتث من قراره. هل نخشى المتدينين فعلاً؟ لماذا لم نخشَهم منذ عشرات السنوات ولم ندرك أنهم أشخاص لهم أبعادهم الخطرة، وكيف لم يكن لهم طوال هذه الحقب الزمنية هذا السلوك المنفعل لكونهم من حملة راية "لا عز لنا إلا بالإسلام"، كما قال عمر بن الخطاب بعد وصوله إلى بيت المقدس؟ هذا الهوس انتقل إلى لُعب الأطفال التي تمثل المسلم بالشرير، والصليبي بالمحب للحياة والمقدس للإنسانية. كيف انسقنا في ظل هذه الفوضى، إلى التصديق بأننا مشتبه بهم حتى إشعار آخر؟ لماذا كلَّ نهار تزداد قائمة التنازلات؟ فثمة مؤشرات على تنازلات نقدمها بسهولة وعلى نحو معيب. فما يضر الفاتح الغربي من قصة عائشة في موقعة الجمل في كتاب التاريخ؟ هذا الموقف النسائي البطولي، يشهد بأن المرأة منحت بالإسلام حقوقاً وواجبات، وها هي سيدة المؤمنين وأمهم لها موقفها السياسي الهادف لوضع الحقوق في نصابها. هذا الهوس كان طاغياً في فترات الظلام الأوروبي، وكان ساطعاً في فترات الاستعمار الزاحف نحو الشرق، ولا زال يرفع رايته على أرض العراق وأفغانستان معلناً الفتنة الدينية، ومعززاً لمزيد من إراقة الدماء لأن القتلى مسلمون فهذا هو الهدف. نحن وضعنا أنفسنا في أقفاص اتهامهم وقبعنا مذعنين لأحكامهم، فلاضير من حذف كلمة الجهاد والقتال والنصارى واليهود، حتى يشب الصغار على أنغام السلام العالمية المغرقة في الأوهام وجثث الفلسطينيين والعراقيين وغيرهم من ضحايا هذا الهوس الغربي الغريب. بل ويكثر بوش من استلهام الإيمانيات في كلماته، ويدّعي أنه مؤمن لدرجة اليقين بدوره الرباني النبيل. لو كان هناك إيمان حقيقي، لما كانت كل هذه الدماء ولما لُوِيَت ذراع المسلم حتى يشهد بأنه مسلم شكلاً، ومضموناً فارغاً حتى من اسمه، فالإيمان لا يعترف بالإسلام أو بأي دين آخر فقط، إنه إيمان مطلق بحكمة الله وبعدالته، وبالتالي كبرت الكلمة المشوهة التي تخرج من أفواههم. ويأبى الله إلا أن يتم نوره، حتى ولو وصل هذا الهوس إلى المجاهرة بالمعاصي والخوف من كافة المتعلقات بمسلم بسيط يعبد ربه ويخشى يوم يلاقيه ولم يؤت الآخرين حقوقهم، ولم يدرك أن عظمة الإسلام تكمن في احترام الإنسان أياً كانت ملته ولونه وموقعه الجغرافي البعيد.