بين "مئوية" ساركوزي المثيرة في قصر الأليزيه... وزيارة كوشنر "الغامضة" إلى بغداد! كشفُ حساب ما أنجز وما لم ينجز بعد مرور مئة يوم على دخول الرئيس نيكولا ساركوزي قصر الأليزيه، ومغزى زيارة وزير الخارجية الفرنسي لبغداد، والفرص الدبلوماسية التي يفتحها مأزق الرئيس جورج بوش في العراق، موضوعات ثلاثة نعرض لها بإيجاز من خلال قراءة سريعة في الصحف الفرنسية. 100 يوم من رئاسة ساركوزي: في إحدى افتتاحياتها ضمن سجالات "مئوية" ساركوزي التي اكتسحت الصحافة الفرنسية هذا الأسبوع، نبهت صحيفة لوفيغارو إلى ما اعتبرته أسلوباً مبادراً ومميزاً لأداء "الرئيس الأعظم" نيكولا ساركوزي، مستدلة على ذلك بتفاعلات عطلته الأخيرة في الولايات المتحدة، مقارنة مع ما اعتبرته عجزاً عن المبادرة ميز علاقات الرؤساء الفرنسيين السابقين في تعاملهم مع نظرائهم الأميركيين. أما افتتاحية لوموند فقد ركزت على نماذج من قرارات ساركوزي خاصة فيما يتعلق بمكافحة الجريمة، مدللة بها على مزاج "الرئاسة العظمى" التي يحلو لساركوزي وأنصاره أن يوصف به. وفي "لا تربيون" كتب فرانسوا كزافييه افتتاحية بهذا الخصوص قال فيها إنه من الصعب الحكم على مستوى أداء ساركوزي خلال هذه الفترة المحدودة، وإن كانت قدرته على المناورة في تعامله مع المعارضة والمجتمع المدني مما لا تخطئه الملاحظة عموماً، خاصة لجهة قدرته على ترك هامش مناسب مفتوح للمبادرة أمام هذين الطرفين الخصمين. وفي مقابل هذا التوصيف الإيجابي جاءت افتتاحية "بيير لوران" بصحيفة لومانيتيه التي نجد فيها إعلاناً واضحاً عن تنكر ساركوزي لكل ما وعد الفرنسيين به قبل دخوله قصر الأليزيه، فكل تلك "المكاسب" التي تبجَّح طويلاً بأنه سيغدقها على الشعب هي ما نرى تبخره الآن تباعاً، وهو تنكرٌ لا يبدو أنه سيقف عند سقف معين إن لم يتحرك الجميع ضد الحكومة. وعلى سبيل المثال، فـ"الهدايا" المجانية التي وعد بها الرئيس فيما يتعلق بتخفيف أعباء الضرائب، تبين أنها تسير في اتجاه مغاير تماماً لما كان مأمولاً، إذ أنها تصب فقط في جيوب الشرائح الأكثر غنى من الفرنسيين. وفي "لالزاس" قرأ "أندريه سيليك" دلالة ما انتهى إليه آخر استطلاعات الرأي في فرنسا من فقدان ساركوزي لخمس نقاط على مقاييس التأييد، مشيراً إلى أن على الفريق الرئاسي الآن استخلاص الدرس السياسي المناسب من هذا التآكل لشعبية زعيمه. وفي "لاكروا" نبهت افتتاحية كتبها "دومينيك كينو" إلى أن ساركوزي الذي يطرب عادة لتقديم نفسه على أنه "قريب من كل الفرنسيين"، عليه اليوم أن يقنع أفراد شعبه بأنه ما زال فعلاً مهموماً بأوضاعهم، وأنه يوليها من الاهتمام أكثر مما يولي الأوضاع الدولية كأورويا والعراق وليبيا ولبنان وسواها. وفي "لومونتان" استدعى ألكسندر مورل في افتتاحيته لغة المجاز في حديثه غير الاحتفالي عن "مئوية ساركوزي": "بعد عصف المطر وأجوائه الملبدة تأتي الأوقات الجميلة عادة. ولكن لا يبدو أن الأرصاد الرئاسية تبشر بشيء من هذا القبيل الآن. فبعد المئة يوم العاصفة السابقة، لا يبدو أن المئة يوم الآتية أيضاً من حكم الرئيس بالغ النشاط ستكون حافلة بأيام مُشرقة كذلك". دلالة رحلة كوشنر إلى العراق: الكاتب بيير روسلين اعتبر في افتتاحية صحيفة لوفيغارو زيارة وزير الخارجية برنار كوشنر إلى بغداد محاولة لتجريب فاعلية سياسة "الاستماع للجميع" ومن ثم "الوساطة"، وهي السياسة الذكية التي جربها من قبل في لبنان ودارفور، وإن كان حجم الرعب وتعقيدات الأزمة الداخلية في العراق يفوقان بكثير ما واجهه كوشنر في الحالتين الأخريين. وعلى ما يبدو أن طموحات باريس في هذا الصدد متواضعة للغاية، وأن جوهر الزيارة هو مجرد استطلاع للأجواء العامة في بلاد الرافدين، استعداداً للحظة إعلان الاميركيين عن فك اشتباكهم، طوعاً أو قسراً، مع الحالة العراقية، وما سيفتحه ذلك من أبواب واسعة للتحرك الدبلوماسي. أما افتتاحية لوموند فقد تساءلت ابتداءً بشكل استنكاري: ما الذي ستفعله فرنسا في العراق؟! بل ماذا تستطيع أن تفعل أصلاً؟! ومعنى هذا التساؤل واضح، وهو أن الصحيفة لم تقتنع بتبريرات لغة الدبلوماسية "الخشبية" الصادرة عن وزارة الخارجية التي أعلنت أن كوشنر ذهب لـ"الاستماع لجميع الأطراف" من سُنة وشيعة وأكراد، وأن دافع هذه الزيارة الأساسي هو التعبير عن "تضامن فرنسا مع الشعب العراقي" في محنته. ومع إصرار كوشنر على تكرار العبارة الفرنسية التقليدية بـ"استحالة الحل العسكري" للأزمة العراقية، فإن تحركه الحالي لا يبدو أنه ينطلق من أرضية صلبة، ولا يسير في اتجاه مضمون النتائج، لأنه مبني في أحسن الأحوال على "النوايا الطيبة" وعلى اجترار العموميات، كالقول الدبلوماسي الدارج: "إنه لا توجد مشكلة ليس لها حل". وإن أفضل ما تستطيع باريس تحقيقه على هذه الجبهة الدبلوماسية هو لعب دور "الوسيط" فحسب. أما في "ميدي ليبر" فقد قدمت افتتاحية "ميشل نوبلكور" تفسيراً آخر لزيارة كوشنر يربطها باللقاء الذي جمع مؤخراً الرئيس ساركوزي والرئيس جورج بوش، ملمحاً إلى إمكانية أن يكون التحرك الفرنسي قد تم بنوع من التنسيق مع واشنطن، لدعم موقف البيت الأبيض في الداخل الأميركي نفسه. ومثل هذا التنسيق المفترض هو ما حذر من عواقبه الكاتب فرانسوا تارتارين في افتتاحية "لانوفيل ربيبليك"، خاصة إذا قرأ بعض شركاء باريس هذا الموقف على أنه عودة إلى الاصطفاف وراء واشنطن، وقطيعة مع موقف فرنسا الشيراكية خلال السنوات الأربع الماضية، وتخلٍّ عن مقاربتها ذائعة الصيت والمنتقدة لكل ما يجري في العراق. العراق... بوش و"المهمة": تحت هذا العنوان جاءت افتتاحية لوفيغارو ليوم أمس السبت، التي اعتبرت فيها أنه بات واضحاً من الآن أن أي فشل أميركي في بلاد الرافدين ستلقي المسؤولية عنه كاملة على كواهل العراقيين وقادتهم، وليس على الأميركيين. هذا هو أسهل الحلول، وهو ما يسود انطباع عام بأن الجنرال بيتراوس، قائد القوات الأميركية في العراق، سيلجأ إليه في تقريره المنتظر تقديمه إلى الكونجرس يوم 11 سبتمبر المقبل، والذي يهدف من وراء تقديمه في ذلك التاريخ الحصول على مزيد من الدعم للمجهود الحربي. ومثل هذا التوصيف أيضاً للحالة في العراق هو ما يبدو أن تقريراً حديثاً آخر للاستخبارات الأميركية رسخه كانطباع عام في واشنطن، فقد اتهم حكومة المالكي بأنها "غير قادرة على ممارسة الحكم بكفاءة"، وبأنها لم تستفد مما أتيح لها من تعزيزات أمنية وفرص ووقت، لترسيخ الوحدة بين مختلف مكونات الشعب العراقي. وإذا كان البيت الأبيض دخل الآن في سباق ضد عقارب الساعة، بفعل قرب انتهاء المهلة التي أعطاه إياها الكونجرس حتى سبتمبر، فإن تحقق ما وعد به من إمكانات في خطة تأمين بغداد، وفي تسريع عملية المصالحة، وتهدئة حالة عدم الاستقرار، لا يبدو أنه هو ما سيقرع الأبواب خلال الأيام القادمة. وهذا ما يفسر ضيق الإدارة الأميركية الشديد بحكومة المالكي، ومراهنتها الآن على تفاعلات تقرير بيترايوس المرتقب، وأن يشاغل ولو مؤقتاً المعارضة "الديمقراطية" التي حول مرشحوها العراق إلى ما يشبه الموضوع الوحيد لحملتهم الانتخابية المبكرة. وفي حال لم يترك التقرير أثراً كذلك الذي تركه تقرير "بيكر- هاملتون" الخريف الماضي، فإن مآزق بوش ستتضاعف، وفي مقدمتها ما سيتعين عليه من إعادة تعريف لـ"المهمة" الآن في العراق، ومن الصفر: هل هي دفاع عن الديمقراطية؟ أم مواجهة للجهاديين؟ أم فرض لحكومة موالية لأميركا؟ أم مقاومة للتمدد الإيراني؟ وفي كل الأحوال، تقول لوفيغارو، فإن وصول بوش إلى هذه الدرجة من التورط في مأزقه العراقي، كان توقيتاً مناسباً تماماً لتذكير برنار كوشنر بضرورة العودة إلى تفعيل دور الأمم المتحدة لتسوية المسألة العراقية مجدداً. إعداد: حسن ولد المختار