هاورد كنروثر في وقت تقترب فيه الذكرى الثانية لإعصار "كاترينا"، مازال القلق والخوف يستبدان بالسكان الذين يقيمون في المناطق المعرضة للأعاصير بسبب عدم قدرتهم على الحصول على تأمين يغطي الأضرار والخسائر التي قد تلحق بمنازلهم ومحالهم التجارية خلال الكوارث الطبيعية التي قد تحدث مستقبلاً. واللافت أن تأثيرات وتداعيات قرار "ستيت فارم" التي تعد أكبر شركة تأمين في ولاية ميسيسيبي، والقاضي بالتوقف عن بيع عقود التأمين على المنازل والمحال التجارية الصغيرة هناك، قد تجاوزت حدود الولاية. ومن جهتها، تبدو البنوك التي تشترط عادة على مالكي المنازل عقود التأمين مقابل الحصول على رهن عقاري، في حيرة من أمرها ولا تعرف مدى تأثير هذا القرار على قدرة زبائنها على شراء مثل هذه التغطية. الواقع أن دافع شركات التأمين اقتصادي محض، إلا أنه لما كان تحديد المعدلات من اختصاص الولايات، فإن شركات التأمين مقيدة بقسط التأمين الذي تحدده هذه الأخيرة. ومن جهة أخرى، فقد واجهت "ستيت فارم" دعوى قضائية طالب فيها المُدَّعون الشركة بدفع تعويضات عن الخسائر التي تسببت فيها الفيضانات أثناء إعصار "كاترينا". والجدير بالذكر هنا أن عقود التأمين المبرمة مع مالكي المنازل لا تغطي سوى الخسائر التي تتسبب فيها الرياح أثناء كوارث طبيعية من هذا القبيل؛ أما تلك الناجمة عن الفيضانات، فيمكن أن تغطى بواسطة عقد منفصل. غير أن ولاية ميسيسيبي قالت إن شركة التأمين مسؤولة عن التعويض عن الخسائر التي تسبب فيها إعصار "كاترينا" على اعتبار أن ارتفاع منسوب مياه الفيضانات إنما حدث بسبب الرياح. في نهاية المطاف، ربحت "ستيت فارم" القضية؛ ولكن المحاكمة كانت مكلفة ودفعت الشركة إلى اتخاذ قرار التوقف عن إبرام عقود تأمين جديدة. والحقيقة أن قرار "ستيت فارم" لا يمثل سوى الجزء المرئي من جبل الجليد: كيف يستطيع هذا البلد أن يحد من الخسائر التي تنجم عن الكوارث الطبيعية ويساعد الضحايا على إصلاح ما تضرر؟ فبالنظر للتنمية المتزايدة التي تعرفها المناطق المعرضة للأخطار وتأثيرات تغير المناخ، فإننا بتنا اليوم في عهد جديد من الخسائر الهائلة الناتجة عن الكوارث الطبيعية. فعشر من أصل الكوارث الطبيعية الأكثر كلفة العشرين وقعت خلال السنوات الخمس الماضية، كل هذه الكوارث العشر كانت عبارة عن أعاصير وعواصف استوائية. والأعاصير الأربعة التي ضربت فلوريدا في 2004 (تشارلي وفرانسيس وإيفان وجيان) بلغت جميعها أزيد من 29 مليار دولار من حيث الخسائر المؤمن عليها. كما يقدر الخبراء أن إعصار "كاترينا" كلف شركات التأمين وإعادة التأمين 45 مليار دولار. وبموازاة مع ذلك، يشتكي الضحايا من أنهم يتلقون أقل من الكلفة الحقيقية لإعادة البناء وإصلاح ما تضرر، وهو ما يدفع العديد منهم إلى اللجوء إلى "إدارة المقاولات الصغيرة" للحصول على قروض بأسعار فائدة منخفضة. بيد أنه لا أحد يستطيع الحصول على القرض إلا إذا أثبت قدرته على تسديده، وهو ما يضطر السكان من ذوي الدخل المحدود إلى البحث عن سبل أخرى. وتأسيساً على ما سلف، فإننا في حاجة اليوم إلى تمويل كُلف الكوارث الطبيعية وتشجيع الأشخاص في المناطق المعرضة للخطر على اتخاذ تدابير للحد من الخسائر. وفي هذا الإطار، ثمة مبدآن اثنان، قد يبدو أن أحدهما يتعارض مع الآخر، يميزان الدراسة الواسعة النطاق التي ينجزها "مركز وارتون للأخطار" بتعاون مع جامعة "جورجيا ستيت" ومعهد معلومات التأمين. المبدأ الأول، وهو أقساط التأمين على أساس حجم الخطر: ينبغي أن تستند أقساط التأمين إلى الخطر بغية تشجيع الناس على تقليص إمكانية تأثرهم بهذه الكوارث والحد من خسائرهم. المبدأ الثاني: التعاطي مع مشكلتي المساواة وقدرة ذوي الدخل المحدود على شراء التأمين، فينبغي أن يكون مصدر أي تعامل خاص مع السكان من ذوي الدخل المحدود في المناطق المعرضة للخطر هو التمويل العام، وليس عبر المعدلات المخفضة بشكل مصطنع. يعد المبدأ الأول مهماً لأنه يرسل إشارة واضحة بوجود خطر نسبي إلى الناس الذين يعيشون في المناطق حيث تحدث الكوارث الطبيعية، وكذلك إلى الأشخاص الذين يدرسون إمكانية الانتقال إلى هذه المناطق والعيش فيها. كما تُمكن الأقساطُ التي تحدد استناداً إلى الخطر شركةَ التأمين أيضاً من منح تخفيضات لمالكي المنازل والمتاجر التي تستثمر في الإجراءات والتدابير التي تروم تقليص حجم الخسائر. أما إذا لم تكن أقساط التأمين مستندة إلى الخطر، فإنه لن يكون لدى شركات التأمين أي حافز اقتصادي لمنح تخفيضات. وبصفة عامة، فعلى الأشخاص الذين يعيشون في المناطق المعرضة للخطر أن يتوفروا على بنى أكثر أمناً وسلامة ويشتروا تأميناً كافياً لتغطية خسائرهم حين حدوث كوارث طبيعية في المستقبل. أما المبدأ الثاني، فيعكس قلق وانشغال السكان من ذوي الدخل المحدود الذين يعيشون في مناطق خطرة ويواجهون احتمال زيادات كبيرة في أقساط التأمين في حال جرى العمل بالمبدأ الأول. فاليوم تستفيد أقساط التأمين في المناطق المهددة بالأعاصير، في كثير من الولايات الموجودة على خليج المكسيك، من الدعم والمساعدة في ظل القيود المرتبطة بالمعدلات التي تفرضها الولايات. أما في حال سُمح لشركات التأمين بتحديد أقساط التأمين استناداً إلى حجم الخطر، فإن مالكي المنازل في المناطق المعرضة للأعاصير سيدفعون مقابل التغطية أكثر بكثير مما يفعلون اليوم. وللتعاطي مع مشكلة قدرة السكان المحدودي الدخل على شراء التأمين، يمكن للولاية أو الحكومة الفيدرالية أن تقدم وصل تأمين أو ما شابه للسكان من هذه الفئة. ويمكن تطبيق ذلك على غرار برنامج المساعدة الفيدرالي الذي يقدم المواد الغذائية للسكان من ذوي الدخل المحدود، وتُمنح فيه الأسرُ وصولاً لشراء المواد الغذائية على أساس الدخل وحجم الأسرة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ كاتب أميركي متخصص في تقويم الأخطار والكوارث ينشر بترتيب خاص مع خدمة "نيويورك تايمز"