اليوم يبدأ طلاب وطالبات المدارس عاماً دراسياً جديداً وسط آمال وأمنيات بأن يكون هذا العام مختلفاً من حيث أداء وزارة التربية والتعليم وتعاطيها مع سيل الإشكاليات المزمنة التي يعانيها قطاع التعليم في الدولة. طموح الكثيرين أن تكفّ الوزارة عن الحوار مع الميدان عبر صفحات الجرائد، وأن تتوقف ولو قليلاً عن إطلاق التصريحات، وأن تنشغل كثيراً بإدارة حوار تفاعلي ميداني مثمر مع الميدان من أجل التوصّل إلى حلول عملية للكثير من الإشكاليات والعقبات التي تعرقل تطوير التعليم بالشكل النوعي المنشود. المأمول أيضاً أن يتسع صدر المسؤولين في وزارة التربية والتعليم إلى سماع الرأي الآخر والأصوات الناقدة كافة، وألا تبادر الوزارة إلى توزيع التهم مجاناً على كل من يشير إلى ثغرة تعليمية يرى أو يعتقد أنها تؤثر في مستقبل هذا الوطن، باعتبار أن ضمان أفضل مناخ لاستثمار الموارد البشرية بات الرهان الحقيقي لاستمرارية خطط التنمية، وتحقيق ما نصبو إليه وسط أجواء تنافسية دولية شرسة من أجل الارتقاء والتقدّم والتطوّر. "ضربة البداية" في هذا العام الدراسي ربما جاءت غير دقيقة بل يعتبرها بعضهم غير موفّقة بحكم انشغال الميدان بالحديث عن "أزمة نظافة المدارس" التي ملأت وسائل الإعلام ضجيجاً، بحيث ظلّ الحديث عن بدء الموسم الدراسي الجديد محصوراً تقريباً داخل نطاق تداول أخبار نظافة المدارس والجدل المثار حولها، بين وزارة أطلقت حملة لنظافة المدارس وناشدت الهيئات التدريسية ومديري المدارس المشاركة فيها بحكم المسؤولية المجتمعية المشتركة، ومدرّسين ومدرّسات رأوا في إسناد ولو جزء من مهمّة النظافة إليهم نوعاً من الإساءة أو عبئاً إضافياً، وبين هذا وذاك امتلأت الصحف بأخبار هذا الجدل بدلاً من متابعة أمور ومسائل تعليمية هي بالتأكيد أحق بالنقاش وتبادل الآراء. بالطبع لم يكن هذا الخلاف بين الوزارة وشريحة لا بأس بها من المدرّسين والمدرّسات حول مسؤولية النظافة ليقع لولا أن هناك "حالة تربُّص" أو لنقل أجواء عدم ارتياح على الأقل من جانب هيئات التدريس تجاه سياسات الوزارة حيالهم، وهي حالة متراكمة وناتجة عن العديد من الأسباب التي لم تبذل الوزارة أي جهد في سبيل احتوائها أو التخفيف منها، وبالتالي فإن هذه الأجواء تجد في أي إشكاليات مهما تضاءلت متنفَّساً لها كي تخرج وتعبّر عن ضيقها وتبرّمها، ولعلّ هذه الأجواء هي آخر ما يمكن لأي مخلص أن يتمنّاه للمناخ المدرسي، ولاسيّما ونحن في بداية عام دراسي جديد. لا خلاف على أن دعم خطط تطوير التعليم بما يتماشى مع طموحاتنا التنموية وواقع التعليم واستثمار الموارد البشرية في دول العالم المتقدّمة، لم يعدْ مسألة ترف تقبل التأجيل أو الانتظار أو استحقاقاً خيارياً، بل هو خيار حتميٌّ وواجب الجميع ابتداءً من الميدان وانتهاءً بوسائل الإعلام مروراً بأطراف العملية التعليمية، وكل مهموم بغدٍ أفضل لهذا الوطن المعطاء، ولكن المسؤولية الأكبر في لملمة خيوط الدعم والمشاركة وتحمُّل المسؤوليات تقع على كاهل وزارة التربية والتعليم بحكم دورها ووظيفتها، وبالتالي فالمأمول أن تمتلك الوزارة المرونة الكافية في اتخاذ القرار وصنع السياسات عبر الاستماع إلى وجهات النظر كافة والعمل بروح الفريق الواحد في تطوير الأداء وتفادي ازدواجية القرارات والتثبّت من رشادة القرار التعليمي ودراسته بشكل جيد ومتكامل قبل صدوره، مع ضمان التشاور مع الميدان والأخذ بآرائه وفق آليات عملية وواقعية تضمن مشاركة أطراف العملية التعليمية كافة في صناعة القرار، بما يضمن له أفضل فرص نجاح عند التطبيق. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.