الأهداف التربوية والأمنيات الذكية للتطوير التربوي طموحات من حق الجميع العمل على تبنيها، وهي بلا شك الخطوة الأساسية في التطوير التربوي، ولكن هذه الطموحات والأمنيات تبقى جامدة بلا روح، مالم تعقبها خطوات عملية تكمل مسيرة التطوير التربوي، ومن يدرس استراتيجيات ذلك التطوير، يجد أن مراحله تبدأ بالأهداف العامة التي ناقشناها في المقال الماضي، والتي يعمل على تطويرها ما أسميناه اللجنة الوطنية للتعليم. هذه اللجنة بعد أن تقر أعمالها من قبل الجهات المختصة في الدولة مثل المجلس الوطني الاتحادي ومجلس الوزراء الموقر، وربما المجلس الأعلى للاتحاد، تحوّل هذه اللجنة أعمالها إلى لجان وطنية تحوّل تلك الأهداف العامة إلى أهداف مرحلية، وهي بدورها تحوّل إلى أهداف معرفية وغيرها من الأهداف التي من خلالها تبنى المناهج التعليمية أو بالمعنى الأدق الكتب المدرسية، فهذه الكتب لاترسم فقط بناءً على طموحات المختصين في الحقل المعرفي المحدد مثل المختصين في الرياضيات واللغة العربية، فهي منظومة متكاملة تحدد في نهايتها شخصية المتعلم. مع الانتهاء من تأليف الكتب المدرسية، نكون قد تجاوزنا مرحلتين من مراحل التطوير التربوي، وهنا تأتي مرحلة النفخ في الروح، وأقصد بها دور المعلم، فالكتب الدراسية والأهداف التعليمية تبقى عنصراً ميتاً ما لم يقم المعلم بدوره، وهذا هو العصر المنسي في خطط التطوير العربية والمحلية، فكم من الخطط طُوّرت وكم من المناهج ألّفت، ونعتقد أنه بمجرد الانتهاء من هاتين المرحلتين، نكون قد قمنا بدورنا في التطوير التربوي، لكن الواقع والعلم يقولان لنا ما لم يُعد النظر في الدور المطلوب من المعلم، وما لم يُعد تأهيله للقيام بالدور الجديد، فإن كل ما سبق يكون نفخاً في رماد سرعان ما يتجاوزه الزمن، كي نقف مصدومين أمام حقائق الميدان التي تقول لنا بكل تاكيد إن الدور الأساسي في الإصلاح المدرسي إنما يبدأ وينتهي بما يقوم به المعلم في صفه. في دولة الإمارات تُعد مهنة المعلم من الوظائف الطاردة التي تأتي في آخر أولويات الجيل القادم، ويكفي أن عدد الطلبة الذكور في كلية التربية بجامعة الإمارات هو صفر حتى السنة الماضية، وهل هناك من دليل أكبر من ذلك، وعندها سؤال يطرح نفسه: لماذا؟ لن أذهب بكم بعيداً في الفلسفة والاقتصاد، لكن لو كان أمامكم خيار بين مهنة تتعامل مع أكثر من 200 مراجع يومياً، وتتطلب عملاً يجاوز بكل تأكيد ثماني ساعات، وراتب هذه المهنة أقل من عشرة آلاف درهم، ووظيفة أخرى عدد المراجعين والمتغيرات فيها محدود جداً في جو مهني مكيف، وراتب يجاوز عشرين ألف درهم، فأي المهنتين تختارون؟ العقل يقول إن الثانية هي الأَولى وهذا هو منطق سوق العمل، ولا أستطيع تجاوز هذه الفقرة دون إشادة بحكمة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة "حفظه الله" والذي أمر أثناء ولايته للعهد في إمارة أبوظبي بمكرمة خاصة للمعلمين في الإمارة تضاف إلى رواتبهم الاتحادية، مما سرّع عملية توطين هذه المهنة في إمارة أبوظبي، وكلنا أمل أن تمتد يده الكريمة لتشمل كافة المعلمين في دولة الإمارات كي نستطيع جذب الأفضل لهذه المهنة التي تمثل لنا أمناً وطنياً قبل أن تكون فراغاً لابد أن يُملأ. ومن التطورات المهمة في حقل إعداد المعلمين في دولة الإمارات تأتي تعليمات الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة "رعاه الله" بصفته رئيساً لمجلس التعليم في الإمارة بتأسيس كلية خاصة لإعداد المعلمين وفق التوجهات العالمية، والتي ينال فيها المعلم حقه من الرعاية المادية والمعنوية منذ التحاقه ببرامج هذه الكلية العالمية، والتي سُميت "كلية الإمارات للتطوير التربوي"، والتي سيمتد سناها ويشع على كل ربوع دولتنا الحبيبة بإذن الله تعالى. المعلم كان وسيبقى روح العملية التعليمية والرقم الذي ينبغي عدم نسيانه.