د. عبدالله جمعة الحاج بالتأكيد، إن العراق يريد الاستقرار، ويريد أن يعامل بتساوٍ من قبل جيرانه الإقليميين الذين ينظرون بعدم ارتياح إلى بروز شيعة العراق المتنامي سياسياً مقابل الأطياف الأخرى خاصة العرب السُّنة. ومن قراءة مواقف وتصرفات وتوجهات الحكومة العراقية الحالية، يُلاحظ أنها قلقة من أن هؤلاء الجيران، بالإضافة إلى الولايات المتحدة وإيران، يحاولون أن يجعلوا من أرض العراق ساحة حرب يديرون عليها المعارك الخاصة بخلافاتهم بعيداً عن مصالح العراق وتطلعاته، لذلك فإنها حريصة بل ومتلهفة بأن ترى جميع الفرقاء وقد جلسوا مع بعضهم بعضاً للحديث والتفاوض في سبيل نزع فتيل الأزمة المتفاقمة. ونستشف مما تقوم به الولايات المتحدة من تحركات سياسية في هذه المرحلة، بأنها مستعدة للجلوس إلى طاولة مفاوضات مباشرة مع الأطراف التي تعتقد بأن لها تأثيراتٍ على ما يدور في العراق، خاصة إيران، وقد أرسلت إشارات عدة بهذا المعنى إلى كل من إيران وسوريا، متخلية بذلك عما كانت تصر عليه في السابق بأنها لن تتفاوض مع أي طرف مباشرة بشأن العراق، فهي الآن تبدو وكأنها تريد الحديث مع إيران دون أن تضع شروطاً مسبقة. وفي سياق ذلك قامت وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس بالجلوس على طاولة مفاوضات ضمت ممثلين عن عشرين دولة، بما في ذلك دولتان تعتبرهما واشنطن مثيرتين للشغب، هما إيران وسوريا. ورغم أنه لم يتمخض عن تلك الاجتماعات نتائج ملموسة، فإن الأحاديث والمفاوضات التي دارت فيها تركزت بشكل مكثف على هدف وحيد، هو العمل على إيجاد الأرضية المناسبة لتحقيق الاستقرار في العراق. وبهذا الشكل يمكن القول إن مشاركة الإدارة الأميركية في اجتماعات من ذلك القبيل، تدل على أن المواقف المتشددة التي وقفتها الولايات المتحدة قد انتهت وربما إلى غير رجعة، ولكن طبيعة المفاوضات في المنطقة التي تتسم دائماً بكونها مطاطية، تعني أنه يتوجب على الولايات المتحدة أن تتفهم جيداً ما الذي يريده الفرقاء الرئيسيون في المنطقة خاصة إيران، لكي تستطيع أن تحقق تقدماً ملموساً في جميع المفاوضات التي دخلتها أو ستدخلها في المستقبل بشأن العراق. إن حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، يؤكدون أنها تريد التفاوض بشأن العراق لكي تحل أزمته، ولكن مسؤولين إيرانيين كباراً- كعلي لاريجاني رئيس مجلس الأمن القومي الإيراني مثلاً- يقولون إن بلادهم تريد التفاوض في حالة واحدة هي عندما تكون المفاوضات نافعة. ونحن كمراقبين ومحللين نرى أن إيران لا يمكن لها أن تفوِّت فرصة الجلوس المباشر على طاولة مفاوضات مع الولايات المتحدة، وذلك عندما يكون العقل والتعقل هما الحكم والمقياس. ورغم أن إيران غاضبة جداً من مواقف الولايات المتحدة تجاه برامجها النووية، ومن اتهاماتها لها بأنها تسعى إلى امتلاك السلاح النووي وبأنها تدير برامج سرية لتحقيق ذلك، فإنها لابد أن تكون مستعدة أيضاً للتفاوض معها حول كافة القضايا بما في ذلك الدور الإيراني في العراق. إن إيران ما فتئت تسعى إلى التفاوض المباشر مع الولايات المتحدة لسنوات عدة، ولكن تم صدها بثبات، فالولايات المتحدة تضع شروطاً مسبقة أمام إيران إذا أرادت التفاوض المباشر، فهي تطلب منها مثلاً التخلي التام عن برامجها الخاصة بتخصيب اليورانيوم أولاً، ثم بعد ذلك التحدث عن مفاوضات مباشرة. ولو أن الولايات المتحدة دعت إيران إلى التفاوض المباشر، فإنها ستجد في ذلك فرصة لا تعوّض في إطار رغبتها الجانحة في إعادة العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية والتجارية، والإيرانيون مستمرون في إرسال الإشارة تلو الأخرى إلى الولايات المتحدة بأنهم راغبون في التفاوض في أية لحظة وفي أي مكان تختاره الدولة العظمى. إن الهدف الإيراني الأول من وراء ذلك، والذي لا يعلو عليه أي هدف آخر، هو إشباع رغبتهم الجانحة في الجلوس مع الولايات المتحدة على طاولة مفاوضات يكون فيها الفرقاء متساوين الندّ بالندّ، وهذا هدف لا تريد الولايات المتحدة أن تحققه لإيران بالسهولة التي يتخيلها الإيرانيون. إن الولايات المتحدة والأطراف الخليجية الأخرى يعتقدون بأن حل المشكلة العراقية، في إحدى جزئياتها على الأقل، يمر عبر طهران، ولكن هذا الاعتقاد يقابله أن الولايات المتحدة تعلم أن قيام إيران بتهدئة الأوضاع في العراق، لابد أن يكون له ثمن ستطلبه، وهذا الثمن باهظ جداً بالنسبة للولايات المتحدة ولا تريد أن تدفعه لإيران. إن الأميركيين يعتقدون بأن إيران ستطلب منهم تخفيف الضغط الشديد الحاصل حالياً تجاه برامجها النووية، وهو أمر لا تريد الولايات المتحدة ولا حلفاؤها تحقيقه لإيران. ومن جانب آخر فإن الإيرانيين يريدون أيضاً التوضيح بأن مصالحهم المشتركة مع العراق حول النفط ومياه شط العرب وتدفق الحجاج عبر الحدود، تجعل من العلاقات مع العراق أمراً ضرورياً، لذلك فإنهم مستعدون للمساهمة في حل المشكلة العراقية، ولكن وفقاً لشروطهم الخاصة. المستشار الثقافي بسفارة دولة الإمارات العربية المتحدة- واشنطن