بحسب تصريحات نقلت عن رئيس دائرة الخدمة المدنية في أبوظبي، ينتظر أن تشهد الإمارة خلال الأشهر القليلة المقبلة إطلاق قاعدة بيانات شاملة تتعلّق بالموارد البشرية المواطنة في الإمارة، بما في ذلك الاحتياجات الفعليّة من الموارد البشرية في التخصّصات المختلفة لسوق العمل المحلي. غني عن القول إن ارتكاز القرار أياً كان طابعه على إحصاءات وبيانات دقيقة وحديثة، هو عنصر أساسي من عناصر فاعلية القرار. فلم يعد وجود مركز إحصائي للموارد البشرية المواطنة أمراً يحتمل التأجيل لأكثر من ذلك، في ظل حالة الجدل والخلاف السائدة اليوم حول صحّة المعلومة بشأن العديد من المؤشرات التي تشخّص واقع سوق العمل المحلي، مع تعدّد وتنوّع مصادر هذه المعلومة. فالبيانات الإحصائية التي يوفّرها مركز إحصائي متخصّص بالموارد البشرية المواطنة تشكّل أهمية كبرى في رسم السياسات المتعلّقة بالقوى العاملة، خاصة في ظل مجتمع تعجز موارده البشرية عن تغطية متطلّبات خطط التنمية فيه، بما أحدث ندرة في القوى العاملة، تسبّبت بدورها في تيارات متلاحقة من الهجرة الوافدة إليه شكّلت تأثيراً كبيراً في تركيبته وخصائصه. كما أن وجود قاعدة إحصائية دقيقة حول الموارد البشرية وتركيبها وحركتها ونوعيتها وخصائصها الأخرى يضمن توجيهاً أمثل لتوظيف هذه الموارد في القطاعات الحكومية كافة، ويشكّل في الوقت نفسه أهمية كبرى لدى القطاع الخاص الذي يعول عليه كثيراً في تحريك دفّة التنمية الاقتصادية والاجتماعية خلال المرحلة المقبلة، بينما تحتاج المؤسسات العامة والخاصة إلى البيانات الإحصائية الواقعية والشاملة التي ينتظر أن يوفرها مثل هذا المركز في إجراء الدراسات أو البحوث ذات العلاقة بسوق العمل. إن إنشاء قاعدة بيانات متكاملة حول واقع الاحتياجات الفعلية لسوق العمل من المواطنين في المهن والتخصّصات المختلفة، يشكّل الحلقة الأولى في عملية ربط مخرجات التعليم والتدريب بالمتطلّبات الحقيقية لسوق العمل، بعد أن شكّل الانفصام الواضح ما بين مخرجات التعليم ومتطلّبات التنمية واحتياجات سوق العمل العقبة الرئيسية أمام توظيف المواطنين طوال السنوات السابقة. وإذا كان هذا الانفصام يتخذه الكثيرون مبرّراً لإثبات قصور سياسات التعليم العالي في الدولة، إلا أن هذا التحليل فيه قدر من التجنّي على مؤسسات التعليم العالي، التي لا تتحمّل وحدها مسؤولية هذا الانفصام، بل إن غياب البيانات الدقيقة حول حجم وتوجّهات وخصائص الموارد البشرية المواطنة وفرص العمل المستقبلية التي تتيحها المشروعات التنموية في القطاعين العام والخاص، شكّل العقبة الرئيسية لإنجاح أي سياسات تتعلّق بمعالجة اختلالات سوق العمل. إن ما يزيد من أهمية بناء قاعدة بيانات شاملة تلبّي احتياجات سوق العمل المحلي، أنها تأتي في إطار خلل متعدّد الوجوه تعانيه قوة العمل المواطنة، سببه الأساسي عدد محدود من العمالة المواطنة مطالب بالتمدّد في جميع القطاعات التنموية في الدولة، حيث يشكّل المواطنون العاملون في القطاعين الحكومي والخاص على مستوى إمارة أبوظبي 10% فقط من إجمالي القوى العاملة في سوق العمل بالإمارة، مع تمركز هذه النسبة، على محدوديتها، في قطاعات ومهن دون غيرها، والاعتماد شبه المطلق على العمالة الوافدة في المهن والقطاعات الأخرى. ورغم أن لضعف مشاركة العمالة المواطنة في العديد من القطاعات والمواقع المهمّة، مبرّراتها المنطقية، كالفوارق الواضحة في الأجور وظروف العمل، فإن وجود قاعدة بيانات شاملة حول الموارد البشرية المواطنة يشكّل بداية حقيقية لتعديل هذا الخلل. عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية