الموعد المحدد لانتخاب الرئيس الأميركي القادم هو نوفمبر 2008. وعلى رغم أنه لا يزال متبقياً 15 شهراً على هذا التاريخ، إلا أن وسائل الإعلام الأميركية المختلفة، تخصص الكثير من الوقت كل يوم لمتابعة المنافسات بين المرشحين، ومحاولة تخمين من منهم سيكسب الرهان. والسباق الانتخابي الحالي يبدو مفتوحاً على مصراعيه، وهو ما يرجع إلى أن العادة قد جرت على أن تتركز التنبؤات على الرئيس أو نائب الرئيس الموجودين في منصبيهما بالفعل، ولكن هذا لن يحدث في الانتخابات الحالية التي ربما تكون أول انتخابات منذ 80 عاماً لا يكون الرئيس أو نائب الرئيس من ضمن المرشحين فيها. كما أن هناك 16 مرشحاً يتنافسون على الفوز بترشيح الحزبين الرئيسيين -8 من الحزب "الجمهوري" و8 مثلهم من الحزب "الديمقراطي"- علاوة على أن هناك شخصيات سياسية أخرى قد تقرر المشاركة في السباق قبل أن ينتهي الوقت المحدد لذلك. ولا يزال من المبكر للغاية التكهن بمن سيفوز في السباق ومن سيخسر.. ولكنني مع ذلك سأجرب حظي وأحاول التكهن بذلك طالما أن الآخرين يفعلون الشيء نفسه. الاحتمال الأرجح في اعتقادي هو أن يكون الرئيس القادم من الحزب "الديمقراطي" المعارض، لأن نسبة تأييد بوش متدنية جداً في استطلاعات الرأي، ولأن أياً من المرشحين "الجمهوريين" لا تتوافر لديه فرصة جيدة للفوز، والاحتفاظ بمنصب الرئاسة في حوزة "الجمهوريين". ومعنى ذلك أن أحد المرشحين "الديمقراطيين" قد يصبح هو الرئيس القادم للولايات المتحدة ما لم يرتكب -أو ترتكب- خطأ فادحاً أثناء الحملة الانتخابية. والسؤال هنا هو: مَن منْ المرشحين "الديمقراطيين" الحاليين لديه الفرصة الأكبر للفوز؟ يتقدم صفوف "الديمقراطيين" في المنافسة الجارية حالياً مرشحان هما: هيلاري كلينتون وبراك أوباما، اللذين اكتسبا شهرة كاسمين معروفين جداً للجمهور إلى درجة أن الجميع أصبحوا يكتفون بالإشارة إليهما باسميهما المجردين أي"هيلاري" و"أوباما". وهذان المرشحان يتصدران في الوقت الراهن استطلاعات الرأي كما تمكنا من جمع معظم الأموال التي جُمعت أثناء الحملة. حيث تمكنت هيلاري من جمع أكبر مبلغ يجمعه مرشح من الحزبين حتى الآن وهو 63 مليون دولار، وتمكن "أوباما" من جمع مبلغ مقارب وهو 60 مليوناً. دعونا نفترض إذن أن واحداً من الاثنين قد يتم انتخابه رئيساً للولايات المتحدة. في الحالتين، سيكون ذلك بمثابة سابقة تاريخية. ففي حالة انتخاب هيلاري ستكون تلك هي المرة الأولى في تاريخ الولايات المتحدة التي تفوز فيها امرأة بمنصب الرئاسة.. ولو فاز "أوباما" فإنها ستكون أيضاً المرة الأولى التي يصعد فيها مرشح أميركي من أصل أفريقي إلى سدة الرئاسة. ولن يقتصر الأمر على ذلك، حيث إن المرجح هو أن ينحو كل واحد منهما، إذا ما تولى المنصب، إلى تبني سياسات داخلية وخارجية، تختلف عن تلك التي تبناها بوش خلال فترتي رئاسته. فكل منهما سينسحب من العراق، وسيستمر في تقديم دعم قوي لإسرائيل. بخلاف هاتين النقطتين العموميتين هناك نواحي اختلاف أخرى بين هذين المرشحين يمكن إجمالها على النحو التالي: أولا، هيلاري -كما تؤكد هي نفسها- تتمتع بخبرة سابقة في مجال السياسة، اكتسبتها من وجودها لمدة ثماني سنوات في البيت الأبيض أثناء ولايتي زوجها الرئيس السابق بيل كلينتون، ومن قضائها 7 سنوات أخرى كسيناتوره في مجلس الشيوخ عن ولاية نيويورك. وعلاوة على كونها زوجة رئيس سابق، وعضوة في الكونجرس، فقد سافرت إلى 80 دولة على الأقل، والتقت مع العديد من الرؤساء والزعماء. وهي لا تُفوّت مناسبة من المناسبات دون أن تؤكد على أهمية الخبرة، كما لا يُفوّت أنصارها أية فرصة دون التذكير بأن "أوباما" لا يمتلك مثل تلك الخلفية، وأن خبرته لا تزيد على قضائه لعدة أعوام في مجلس الشيوخ، بعد أن كان قد قضى بعض لوقت في الخدمة في الهيئة التشريعية لولاية إيلينوي. ويرد "أوباما" على ذلك بالقول إن الخبرة ليست كل شيء، بدليل أن ديك تشيني على سبيل المثال لديه خبرة طويلة اكتسبها من العمل كوزير دفاع سابق ونائب رئيس جمهورية حالي ولكنها لم تحل بينه وبين ارتكاب الكثير من الأخطاء السياسية. وبالنسبة لموضوع العراق وهو الموضوع الذي يحتل المرتبة الأولى من حيث الأهمية في الحملة الانتخابية، يؤكد أوباما على أنه قد عارض الحرب علناً منذ البداية (عام 2002).. في حين أن هيلاري صوتت في مجلس الشيوخ لصالح قرار الحرب، ولم تعتذر عن ذلك حتى الآن، على رغم أن معظم الأميركيين أصبحوا يدركون أن تلك الحرب كانت خاطئة. أما بالنسبة للمعادلة التي يرى كل منهما أنها الأنسب للتعامل مع تداعيات الوضع في العراق فهي مختلفة أيضاً: هيلاري تقول إنها تريد "وضع نهاية للحرب" هناك، وسحب معظم القوات، والانتهاء من ذلك في نفس الوقت الذي يترك فيه بوش منصب الرئاسة أي يناير 2009، وإنه إذا لم يقم بوش بذلك فستقوم هي به إذا ما أصبحت رئيسة. أما "أوباما" فيقول إن الحل العسكري في العراق مستحيل، ويقترح البدء بسحب القوات الأميركية من العراق هذا العام -على أن يتم سحبها بشكل نهائي في مارس 2008- مع إطلاق جهد دبلوماسي مستدام في نفس الوقت سواء في العراق أو في المنطقة من أجل الخروج من هذا المأزق. أما بالنسبة لأفغانستان فقد أدلى "أوباما بتصريحات قوية بشأنها حيث قال إنه يريد إرسال المزيد من القوات لإحياء عملية البحث عن بن لادن التي أهملها بوش، وإرسال المزيد من المساعدات في الوقت نفسه للشعب الأفغاني لإعانته على الخروج من أزمته. كما لم ينس "أوباما" القول إن الرئيس برويز مشرف لم يقم بالجهد الكافي للتعامل مع حقيقة أن "القاعدة" قد أصبحت تجد ملاذا لها ولأنشطتها في منطقة الحدود بلاده وبين أفغانستان. ونقطة الخلاف الرئيسية بين المرشحين ظهرت خلال واحدة من المناظرات المتلفزة التي شاركا فيها وذلك عندما سُئل "أوباما" عما إذا كانت ستكون لديه الرغبة -إذا ما انتخب رئيسا- للالتقاء مع قادة إيران وسوريا وكوبا وكوريا الشمالية، وفنزويلا؟ فأجاب بأنه سيفعل ذلك، مؤكداً أن الاعتقاد بأن عدم الكلام مع دولة من الدول يعد عقاباً لها، هو مبدأ سخيف في الأساس. أما هيلاري التي أرادت إظهار نفسها بمظهر المرشحة الأكثر حكمة وخبرة، فقالت إنها لن توافق على الالتقاء مع هؤلاء القادة في السنة الأولى من حكمها، وذلك حتى تكون لديها الفرصة للتأكد من حقيقة نواياهم. وعلى ضوء ما سبق نقول إنه لا يزال أمام المرشحين الاثنين المزيد من العقبات التي يجب أن يتغلبا عليها: فأوباما يجب أن يقنع الناخبين بأنه يتمتع بالخبرة والحكمة التي تؤهله لتولي منصب الرئيس. أما هيلاري فإن شخصيتها الجذابة، وانخراطها الأطول مدة مقارنة بأوباما في الحياة العامة، قد خلقا لها الكثير من المنتقدين الذين يجب أن تعرف كيف ستتعامل معهم. إذن يمكن القول بناء على ذلك إن السباق الانتخابي الأميركي لم يحسم بعد، ولكن هذين المرشحين على وجه التحديد هما المرشحان اللذان ينبغي تركيز الأنظار عليهما في الوقت الراهن.