كلما تحرك المجتمع الدولي ضد نظام عربي أو إسلامي بعد أن وجدت بصماته في مسرح الجريمة، لعلعت الحناجر بـ"إشمعنا".. وهذا المجتمع الدولي منافق يكيل بمكيالين، وهذه عدالة ناقصة، فترى جرائمنا كأنها شجرة ميلاد وتتغاضى عن جرائم غيرنا كأنها ورقة في وسط غابة. هذا الكلام يشبه كلام محشش يقف في قفص الاتهام أمام المحكمة فيقول بصلافة: "صحيح أنا محشش، لكن جاري محشش وخمّار أيضاً.. وصحيح إنني أضرب عيالي وأنا "مسطول" لكن جاري يضرب عياله ويطارد أمهم بالعصا أيضاً.. لذلك فأنا أرفض هذه المحكمة جملة وتفصيلاً، وكل ما يصدر عنها باطل لأن كل ما بني على باطل فهو باطل". وبأي حجة أو وجه سيقابل المحشش الحضور في المحكمة حين يقترب ابنه من المنصة مناشداً القاضي أخذ حقه منه لأنه ضربه وحرمه النوم واللعب والتعليم والطبابة وقطع عنه المصروف الذي بعثره في الحشيش؟ وهل يحق للمحشش الصراخ حينها بأن عيال جاره أيضاً يعانون مثل عياله هو، وبالتالي لا يجوز الكيل بمكيالين والاهتمام بمعاناة عياله فقط؟ ويعرف جماعة "إشمعنا" من البليدين ممتلئي البطن والآمنين المطمأنين أن ضحايا جرائم الأنظمة العربية والإسلامية الملاحقة دولياً، أي أبناء ذلك المحشش، ليسوا إسرائيليين، ليشمتوا، ولا أميركان، ليضحكوا، ولا غير مسلمين، فيقولون الحمد لله. وإذا نظرت في أي نظام عربي أو إسلامي ملاحق، تجد جرائمه اقتصرت غالباً على شعبه أو جيرانه من العرب والمسلمين. فهل المهم هنا هو من يتدخل ولماذا يتدخل أم التدخل نفسه؟ فأي شعب يباد أو يضطهد أو يحرم من أساسيات الحياة، لا يهمه من يتدخل ولماذا وإنما ينتظر فعل التدخل والسلام.. فهل أخطأ المجتمع الدولي حين اهتم بوضع الأفغاني في ظل حكومة "طالبان" البائدة أو بمأساة أهل دارفور مع حكومة الخرطوم أو بمعاناة العراقي أيام صدام حسين أو بحال الإيراني مع حكومة الملالي؟ سيأتيك الجواب من العراق بأن العراقيين في زمن صدام كانوا في حال أفضل، وهذا صحيح لمن كان مستفيداً من وجود صدام أو على الأقل ممن لم يتضرروا منه، لكن كيف الحال لمن قتله صدام أو شحن أولاده في عربة الحروب العبثية أو استضافهم مكبّلين ومقيدين في حفلات رمي الرصاص الجهنمية ثم تركهم أمام بيوتهم إما جثثاً مثقوبة أو مجرّد أشلاء مع قطعة حديد فيها أرقامهم العسكرية؟ وإذا كانت هناك جهة أو قرارات تلجم "الجنجويد" عن القتل والاغتصاب والنهب في أهل دارفور، فهل هذا يضرّ بأهل دارفور أو بالجنجويد أنفسهم؟ إذا كانت هناك جهة تجبرني أن "أمشي عدل" فهل هذا يُغضب من كان مشيي غير "العدل" يضرّ بهم؟ نعم سأغضب وأعلن التمرد لو لم ارتكب ذنباً أو جرماً وعاقبني القانون بينما لم يعاقب جاري المذنب، لكن إذا أجرمت فلا يحق لي أن أرفع صوتي حتى لو كان جاري يفعل مثلي أو أكثر، بل عليَّ أن أشكر الله أن هناك من يقوِّمني ويضربني بالعصا لأصلح من نفسي وأنفع عيالي.