قلّد الرئيس الفرنسي الصحفية اللبنانية مي الشدياق وسامَ جوقة الشرف "رتبة فارس" واعتبرها رمزاً لحرية التعبير؛ بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة. وكانت شدياق قد تعرضت لاعتداء مريع استهدف حياتها في بيروت عام 2005. وعلى علاقة بالموضوع فقد عُقدت ندوات ولقاءات -على مستوى العالم العربي- احتفالاً باليوم العالمي لحرية التعبير. وقيل ما قيل خلال هذه اللقاءات؛ وأُدخلت الديمقراطية في هذا المحفل؛ وتغنَّى المغنون بالعناوين المبهرة لرياح الديمقراطية التي "تهبُّ" هذه الأيام على العالم العربي! لكن المحتفلين شوقاً إلى حرية التعبير تجاوزوا -ولربما دون قصد- عن معضلات حرية التعبير وحالات الاجتراء على هذه الحرية، وتجنبوا "الزج" بأنفسهم -ولربما عن قصد- في الأسباب الحقيقية التي تعيق تطبيق مبدأ حرية التعبير في العالم العربي. ذلك أن المهني -في أغلب الحالات- حتى وإن كان أكاديمياً أو صحافياً أو كاتباً، له وجهان في حقيقة الأمر. وجه يقابل به رئيسه في العمل أو مديره أو وزيره؛ ووجه يقابل به زملاءه المهنيين. وهذه حقيقة يعاني منها العديد من الملتصقين بالوسط الإعلامي! ولعلنا في هذه العجالة نستعرض أهم حالات الاجتراء على حرية التعبير في الوطن العربي. أولاً، مطاطية القوانين التي تختصُّ بالمنازعات في الصحافة أو المطبوعات. وعدم تطبيق تلك القوانين التطبيق النصِّي؛ وذلك لوجود حالات "تصالح" أو "مصالح" بين دور الصحف والحكومات في العديد من البلاد العربية. فيمكن أن تضحِّي المؤسسة الصحفية بموظف مثل مدير التحرير -كونه غير مواطن في دول الخليج مثلاً- من أجل التصالح مع وزارة مهمة نالها نقد أو مثلبة من الجريدة! ومن هذه الحالات أيضاً غلبة الحالات الانفعالية والقرارات السريعة والحاسمة في قضايا النشر؛ دون اللجوء إلى القضاء للاحتكام إلى نص القانون! ويسقط في هذه الحالات أبرياء وصحافيون محترمون لا يجدون من يدافع عنهم؛ وبالتالي يسقط القانون؛ بل وتسقط مادة الدستور التي تنص على حرية التعبير. ويحدث هذا الاجتراء الواضح تجاوزاً لكل المواثيق الدولية والإعلان العالمي لحقوق الإنسان. ومن هذه الحالات أيضاً تغلغل بعض "النافذين" إلى بلاط صاحبة الجلالة وتدخلهم في القرار المهني؛ وهنا يمكن للمؤسسة التضحية برئيس التحرير (المواطن) تفادياً أو إرضاءً لغاضب هنا؛ أو "مُتعكِّر المزاج" هناك. وهكذا!؟ ثانياً، عدم وجود مرجعية حامية للصحافي في حال تعرضه للعسْف الإداري والمهني! قد تكون هنالك استثناءات قليلة في بعض دول الخليج من هذا التعميم لابد أن نذكرها! فالصحافي الذي يمتلك معلومات حقيقية عن أوضاع بعض الوزارات، أو حالات سلبية لبعض الأفراد الذين يستغلون مناصبهم لا يمكنه نشر تلك المعلومات؛ ودوماً يُواجَه بنص القانون الذي يشير إلى موضوع "القذف" -وهذا جزء من المشكلة الموضحة في هذا البند. وبذلك يعيش الصحافي مناخاً غير مهني؛ ويتحول إلى موظف يُطأطئ الرأس أمام رئيسه اتقاءً لقطع راتبه! وتتحول بذلك الصحف إلى نشرات يومية لا تعبِّر عن روح المجتمع؛ إلا في حالات نادرة وبلدان محددة! ثالثاً، ضعف مواقف بعض رؤساء التحرير في الصحف الخليجية. ذلك أن اختيار رئيس التحرير يأتي ضمن أطر محددة يعرفها الخليجيون!؟ وبذلك يتحول رئيس التحرير عن مهنته الرئيسية -بكونه يقود السلطة الرابعة- إلى مشارك في "السَلَطة" التي يختلط فيها الولاء والانتماء وهذا يؤدي إلى وجود "مراقب" للدولة على قضايا النشر؛ وهذا أصعب من وجود الرقابة البائدة على الصحف. وفي مناخ كهذا؛ لا يمكن أن يوجد من يدافع عن الحق المهني أو حرية التعبير أو أحقية مواضيع النشر! ويضع رئيس التحرير -الخائف على كرسيه- نصب عينيه دائماً "العين الحمراء" التي تفصل ما بينه وبين الحقيقة والحق! رابعاً، مسؤولية النشر؛ حيث نلاحظ في أغلب الصحف عنواناً واضحاً في صفحات الرأي بأن (المواضيع التي تنشر لا تعبر عن رأي الجريدة بل تعبر عن رأي أصحابها)؛ لكن ذلك لا يطبَّق. حيث نجد رئيس التحرير يتدخل في فحوى المقال ويفتش ما بين الأسطر ويخرج من رأسه ألف رقيب وهو "يتهجَّى" كلمات المقال!؟ ويقوم بعمل الإسقاطات المتوالية والتوقعات الحَذرة حتى يُدخل المقال "المنطقة الحمراء"!؟ وهنا إما أن يتنازل صاحب المقال عن السطور "السيئة"، "الجيدة" في مقاله؛ أو يستبدله بموضوع آخر عن سكن العُزاب أو الجمعيات التعاونية أو سرعة الشباب الجنونية بالسيارات؛ وهذه المواضيع لا تسبب الصداع للمزاج العام. خامساً، تعارض الممارسات الصحافية المهنية مع تصريحات المسؤولين حول حرية التعبير! وهذه ملاحظة واضحة في بعض الصحف الخليجية! فنحن نسمع من المسؤولين كلاماً جميلاً حول حرية التعبير. بل ويُداخلنا شعورٌ بأنهم "يتهموننا" بعدم استغلال مناخ الحرية "الممنوح لنا"! وعلى أرض الواقع نجد رؤساء تحرير يصبحون "ملكيين" أكثر من الملوك! وهنالك حالات -تم التيقن منها- حول إحاطة بعض رؤساء التحرير أنفسهم بهالات من التردد والهلع "الوهمية " من بعض الأسماء! ويقوم هؤلاء بتصنيف الكتاب إلى فسطاطين -حسب تصنيف بن لادن: فسطاط الخيرين (Good Guys) وفسطاط الأشرار أو "المشاكسين" (Bad Guys)! وهذا لا يجوز في عالم الصحافة. بل إن مهنة رئيس التحرير تستوجب أن يساهم في تخليق جيل من الكتاب والصحافيين المؤمنين بقضايا مجتمعاتهم؛ يدافعون عنها ويوصلونها إلى المسؤولين؛ وهكذا يتم تخليق الرأي العام!. سادساً – استيقاظ الذاكرة السلبية ضد الكاتب. كأن يتم وقفُ مقالاته دون مرجعية قانونية. فيمكن أن ينشأ خلاف بين كاتب ومؤسسة يمتلكها رئيس التحرير أو رئيس مجلس الإدارة؛ فيقوم رئيس التحرير بوقف هذا الكاتب عن الكتابة في الجريدة استناداً إلى موقف تجاري خارج الإطار الصحفي المهني!؟ وفي ذلك مخالفة لأصول حرية التعبير وخلط كبير للأوراق!. بل ويصل الأمر -في بعض مواقف رؤساء التحرير الذين يخافون على مناصبهم- أن يوقفوا كاتباً دون سبب؛ بل ودون أن تكون هنالك تعليمات من "الجهات العليا"!؟ فقط لأن رئيس التحرير "يشعر" بأن مقالات هذا الكاتب "قد" تُسبب "تعكيراً" للمزاج العام! وإن لم يكن الواقع كذلك. بمعنى آخر؛ إن رئيس التحرير يُنصِّبُ نفسه حكَماً فقط لأنه يشعر أو يتوجس أن الهاتف الأحمر الذي بجانبه سوف يرن! وهنا لا توجد مرجعية قانونية يلجأ إليها الكاتب؛ سوى أن يذهب إلى جريدة أخرى منافسة، أو حتى يملّ ويكسر أقلامه!. سابعاً، ضبابية التفسير الأخلاقي والمهني لمبدأ حرية التعبير. في الولايات المتحدة مقولة يقولها السياسيون : "ليكتبوا ما يشاءون.. ولنفعل ما نشاء". وهي محور التوجهات السياسية الأميركية لمواجهة حرية التعبير. وهنالك مواقع محددة في العالم العربي تطبّق هذه السياسة بنسبة 20% أو 10% أو حتى 5%. ويتساءل العديد من الكتاب الخليجيين: هل توجد لدينا حقاً حرية تعبير؟ وما هي محدداتها ومرجعياتها القانونية؟ هل نعتد بخطابات المسؤول أو الوزير ونواجه بها الحكومة؟ هل حرية التعبير تقتضي أن نتحدث -بكل حرية- عن زامبيا والصومال وكوارث جنوب شرق آسيا وملكات جمال الكون ولا نقترب من همومنا المحلية المُلحة؟! هل حرية التعبير هي حرية المدح والتلميع المؤسف وتأجير الأقلام من أجل الإشادة بـ"المنجزات الحضارية " التي لا تشوبها أية شائبة؛ والسكوت على قضايا الأوطان المهمة ومنها حرية التعبير؛ والديمقراطية، وكشف الفساد الإداري، والإصلاحات السياسية، ومعاقبة المستغلين للمناصب، ووقف التعيينات العشوائية التي تأتي ضمن صدف اللحظة أو الاستشارة؟! هل المطالبة بوجود رؤية (Vision) للقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي تُعتبر مُخالفة لقانون حرية التعبير؟ نحن لا ندري إلى أين نسير مع المصطلحات التي نستعيرها من الغرب وتقوم وسائل إعلامنا بتضخيمها. ويؤسفنا؛ في اليوم العالمي لحرية التعبير، أن نقول: نحن نجهل مدلول حرية التعبير في عالمنا العربي!.