أرسل لي "معروف" الكردي من كردستان العراق يقول: "أشعر منذ مدة طويلة بأن التواصل مع الآخرين من حولي بدأ يضعف وأن لغة التفاهم مع أصدقائي بدأت تقل... السبب هو التعريفات، حيث إن المصطلحات تحتاج إلى تعريفات جديدة، ولا يمكن التفاهم إلا من خلال تعريفات نابعة من فهم جديد لهذا الدين... إليك الأمثلة: ما هو الدين؟ وماذا تعني الآية "إن الدين عند الله الإسلام"؟ وما هي العلاقة بين الدين والسياسة؟ أو الدين والعلم؟ أو الدين والحياة؟ وما هو الإسلام المقصود في الآية السابقة؟ بل ما هو الإيمان؟ وما هو الكفر؟". وكان جوابي على السائل هو الآتي: أما ضعف تواصلك، فهو مؤشر جيد، ونحن نعلم أن أول وحي تنزل على النبي (صلى الله عليه وسلم) كان في غار حراء، كذلك قال إبراهيم أبو الأنبياء قوله الشهير "إني مهاجر إلى ربي إنه هو العزيز الحكيم" العنكبوت الآية 26، "فلما اعتزلهم وما يعبدون من دون الله وهبنا له إسحاق ويعقوب وكلاً جعلنا نبياً" مريم الآية 49، ولم يكن لبوذا أن يصل لـ"النورانية" لولا اعتكافه تحت الشجرة. أما الأسئلة التأسيسية التي طرحتَ فإليك جوابها: فأما الدين فهو الثقافة السائدة، ومنه قول القرآن عن يوسف: إنه "ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك إلا أن يشاء الله" يوسف الآية 76، وقوله لصاحب السجن "أما أحدكما فيسقي ربه خمراً" يوسف الآية 41... فهنا الخمر ليست لخالق السموات والأرض بل للحاكم... وأما الإسلام فهو الخضوع لحكمه والاستسلام لمشيئته، وبهذا يدخل فيه صاحب كل ضمير حي في العالم. وفي القرآن "إن الذين أمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون". لكن المسلمين يمرون على هذه الآية "وهم عنها معرضون"، وليست الآية الوحيدة! ويظن البعض أن أهل الكتاب هم اليهود والنصارى، والأصح تعميم هذا المصطلح على كل من يمارس حرفة القراءة والكتابة، وهم المثقفون الأحرار الذين يمارسون البحث الفكري، ويدرسون ويتدارسون الكلمة ويمارسون النضال الأخلاقي. وبهذا فـ"الإسلام" ليس دين الكرد والعرب والعجم وملالي إيران ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر. أما العلاقة بين الدين والسياسة فهي علاقة أشعب، لأن السياسة كذب وتهريج، وخيانة وغدر، وانقلابات ودماء، وكيد في النحر، وطعن في الظهر، ومن نجح في انقلاب بعثي أصبح بطلاً تصفق له جماهير مخدرة، ومن فشل تدلى حبل المشنقة فوق عنقه فكان قاب قوسين أو أدنى. وكل ديكتاتوريي العالم العربي أبطال، وقد يصبحون خونة في أي لحظة. فسياسة من هذا النوع قذارة وشناعة. أما الدين فعدالة اجتماعية وسمو أخلاقي، لذلك فإن الذي بينهما كالذي بين النار والماء من علاقة. أما الدين والعلم فهما وجهان لعملة واحدة، كما في معادلة آينشتاين في العلاقة بين المادة والطاقة، وكل صراع البشر، ومصيبة الكنيسة مع غاليلو، وتعانق الجبت والطاغوت، والمفتي ورئيس الجمهورية، والمشيخة العثمانية والصدر الأعظم، وكاهن رع وفرعون... هي حول استخدام أقدس الأشياء في أحقر الأمور. وفي الوقت الذي يتحول (الدين) إلى علم سيتوقف اختلاف الناس حوله ليصبح عالمياً، وهي فكرة ندين بها لجودت سعيد مولد الأفكار، وحادي الأرواح إلى بلاد الأفراح. فهل رأيت الناس يتنازعون حول الهواء أو البنسلين أو ضماد الجروح؟ أما معادلة (الدين -الحياة)؛ فيفترض في الدين أن يخدم الحياة، لا أن يكون ضد الحياة كما يفعل المتعصبون فيخلقون ديناً ضد الحياة، فيمنعون المرأة من قيادة السيارة، في دين شرعوه من عند أنفسهم. وبرنامج الشريعة والحياة تمت مصادرته وملكيته لشخص واتجاه، مع وجود عشرات الآلاف من علماء الأرض؛ فأصبح برنامجاً للموت. طاب مساؤك فلا تحتر يا معروف فأنت معروف...