أعادني استطلاع للرأي أجراه موقع "الجزيرة نت" الأسبوع الماضي، بعد أن أثارت حلقة تلفزيونية حول عمليات التعذيب في أقسام الشرطة في إحدى الدول العربية ضجة إعلامية، أعادني بذاكرتي، إلى خبر كنت قد قرأته في إحدى الصحف المحلية، في بداية شهر يونيو الماضي، وكان فحواه أن هناك توجهاً عربياً لتطوير مدن تكون صديقة لأطفال العرب، وهو مشروع يقوم بتنفيذه المعهد العربي لإنماء المدن، ويقوم بتمويله برنامج الخليج العربي لدعم منظمات الأمم المتحدة الإنمائية "أجفند". وأيقنت من خلال الربط بين الاستطلاع والخبر أن المواطن العربي البالغ، قبل الطفل العربي، بحاجة ملحة لأن يعيش في دولة صديقة له طالما أن الهدف من الخطة الموضوعة لهذه المدن هو توفير بيئة تتوفر فيها الاحتياجات الأساسية، فالمواطن العربي بحاجة إلى تلك البيئة كي يعيش في بيئة طبيعية أهمها تخليصه من مرض عربي مزمن، يفسر العلاقة بين النظام والمواطن العربي، وهو تعذيب المواطنين، والاستهانة بهم ومعاملتهم معاملة الأعداء في مراكز الشرطة. المشروع يهدف إلى مساعدة المدن العربية في أن تصبح صديقة أكثر للأطفال وأقدر على توفير الظروف المناسبة ليعيشوا أصحاء. ما أفهمه من المشروع العربي الذي ستستفيد منه ست دول عربية، بعضها خليجية، خاصة في هذه الأيام التي نشهد فيها برامج تلفزيونية عديدة تروي قصص تعذيب المواطنين العرب بل وقتلهم أحياناً في دولهم وعلى يد مواطنيهم وليس في سجن جوانتانامو أو المعتقلات الإسرائيلية، أن المسألة انتقلت من حماية المواطن إلى صراع بين المواطن والأجهزة الأمنية وكأن هؤلاء العسكر ليسوا جزءاً من المواطنين حتى يعتقد أن الخلاص من ذلك العذاب هو نقل المواطنين العرب إلى مدن أخرى تكون صديقة لهم، بعيداً عن قهر رجالات الأمن الذين يتفنون في التعذيب. وهذا معناه نقل هذه الشعوب إلى كواكب أخرى توفر احتراماً كبيراً للإنسان. الواضح أن تجربة إقامة مدن عربية صديقة للأطفال ربما تفتح الباب أمام مطالبات شعبية بمدن عربية صديقة للكبار، وربما يتطور الأمر لتكون تحت قيادة المنظمات الدولية للتعويض عما يعانيه المواطن العربي من انتهاكات وقهر وتعذيب على أيدي أبناء بلده، وإذا لم نفعل ذلك فإننا لن نحتاج إلى الكثير من الجهد للتعرف إلى الأسباب التي تدفع الكثير من هؤلاء المواطنين العرب للخروج هرباً وبحثاً عن وطن بديل وصديق. ربما يكون الأجدى بالنسبة للكثير من الأنظمة العربية، ولا أقول كلها، إقامة مدن بديلة آمنة من القهر والتعذيب في دولها لإقامة مواطنيها ممن عانوا من فترات السجن والاعتقال وعلاجهم نفسياً وغرس الشعور بالأمان بداخلهم. والغريب أن يأتي قهر المواطن العربي في الوقت الذي يسير فيه العالم نحو التوسع في الحريات الإنسانية وحيث يفترض ألا يحتاج المواطن العربي لوطن بديل في وطنه لأن وجود بيئة لا تصلح لعيش المواطن يخلق شكوكاً بإحساس بالأمن والاستقرار للطفل العربي، وسيظل الشك والريبة من حقيقة البرنامج قائمين طالما لم نجد الحل للمواطنين كافة، وطالما بقي الهدف المعلن لأفراد الأمن غير ذلك الهدف المعروف وهو حماية المواطن. لقد زادت تلميحات وسائل الإعلام وازداد تناقل الأنباء والتقارير المتعلقة بتعذيب المواطنين العرب من قبل الأجهزة الأمنية في دولهم وأصبح التعذيب السمة العامة التي تحكم العلاقة بين المواطن العربي والأجهزة الأمنية في بلاده، ولا أدري إن كان هذا التناقل من باب البحث عن فضح بعض الأجهزة الأمنية باعتباره إحدى الوسائل للتقليل من هذه الممارسات اللا إنسانية، أو أنه من باب التخفيف من حالة الكبت النفسي الذي يعيشه المواطن العربي في بلده، ولمجرد التنفيس عن حالة الاحتقان الداخلي الذي يعيشه ذلك المواطن. ولكن على أية حال فقد انتشرت هذه الأخبار بشكل كبير في الآونة الأخيرة، مما يوحي بأن بعض دولنا تنحدر إلى قاع مستنقع القهر والاستبداد، وهذا بحد ذاته مؤشر خطر في وقت كان الجميع يراهن على مزيد من الحريات والانفتاح.