بيتر إن. سبوتس ------------------- الخوذات، والمصابيح المثبتة فيها، ليست من أدوات باحثي الأعاصير، لكنها ضرورية ولاغنى عنها لـ"آيمي فرابييه". ففرابييه عالمة الكيمياء الجيولوجية، وزملاؤها الذين ما زلوا يبحثون عن علامات أو بيانات حول الأعاصير في الصواعد أو الحليمات السفلى (رواسب كلسية توجد عادة في أراضي المغاور) التي ترتفع كأنياب مسننة من الصخور التي تغطي الكهوف في أميركا اللاتينية. وتمكنت "فرابييه" وزملاؤها من إظهار أن الصواعد أو الحليمات السفلى تسجل الأعاصير المتعاقبة، عن طريق بصمات الأصابع الكيمائية الفريدة التي تتركها كل عاصفة من العواصف على الأمطار التي تتسبب في سقوطها. وركز فريق البحث جهوده على فحص الكهوف الواقعة في جزيرة "ياوكاتان" التابعة للمكسيك. وفي الوقت نفسه، كانت هناك مجموعة أخرى من العلماء من جامعة "تينيسي" يبحثون عن بصمات مخبوءة في الطبقات المتراكمة على الأشجار في مناطق من أميركا. وقد كشفت المعلومات والبيانات التي جُمعت عام 2001 من منطقة غابات في "فالدوستا" بولاية جورجيا، عن سجل كامل من الأنشطة الإعصارية التي تعود إلى 220 عاماً خلت. وهذه الجهود هي الأخيرة من نوعها التي تتم في إطار السعي من أجل إنشاء سجلات للأنشطة الأعاصيرية الاستوائية في المحيط الأطلسي، تعمل كبديل عن السجلات المكتبية المعروفة ويمكن الحصول من خلالها على بيانات لتلك الأعاصير تعود إلى أقصى مدى زمني يمكن لهذه التقنية البديلة أن تصل إليه. وهذه الأساليب الجديدة في البحث تتراوح بين استخراج عينات من هذه الطبقات الشجرية (أي الطبقات التي تتراكم سنوياً فوق هذه الأشجار كنتيجة للنمو) من أجل الكشف عن كيميائها، وبين أسلوب بصمات الأصابع على الصواعد (الحليمات السفلى). وفي إطار بحثي أوسع نطاقاً، انخرط علماء الأعاصير والعواصف المدارية، خلال العامين الماضيين، في مناقشة ما إذا كانت بصمات الإحماء الحراري قد بدأت تظهر في سجلات الأعاصير التي تحدث في المحيط الأطلسي وفي أماكن أخرى من العالم، أم لا! الهم المباشر لهؤلاء العلماء في هذا الموضوع حالياً، هو التركيز على احتمال أن تصبح هذه العواصف -في المتوسط- أكثر تكراراً وحدةً مع زيادة درجة الإحماء الحراري. ويشار في هذا السياق إلى أن العلماء قد حصلوا على معلومات وبيانات من "السجلات البديلة" أي من بصمات الأعاصير على الصخور تثبت وجود علاقة بين حدوث العواصف والبراكين وبين الحرائق الهائلة التي تندلع في السنوات التي تلي العواصف الكبرى. وهذا في الحقيقة يمكن أن يكون دليلاً على أن تهديد الحرائق الكبرى في الجنوب الشرقي الأميركي ومناطق خليج المكسيك، يمكن أن ينمو مع استمرار حرارة الجو في الارتفاع عاماً بعد عام. وفي الوقت الذي يستمر فيه الجدل حول الإحماء الحراري والبراكين، فإن العلماء يتفقون على أن السجلات التاريخية والبيانات التي يتم الحصول عليها عن طريق الطائرات والأقمار الاصطناعية المستخدمة في عمليات المسح الجوي قد تخفق في الوصول إلى معلومات مؤكدة مستمدة من فترات بعيدة في الماضي تكفي لحسم الجدل الدائر حول الموضوع. وهنا -كما يقول العلماء- يأتي دور علم "الإحاثة" أو" البليونتولوجيا" paleontology (علم يبحث في أشكال الحياة خلال العصور البيولوجية السالفة كما تمثلها المتحجرات أو المستحاثات الحيوانية أو النباتية). ففي نطاق الاهتمام المتزايد بما يمكن لهذا العلم أن يقدمه في هذا المجال، قام "المعهد البين أميركي لأبحاث التغير المناخي"، ومقره البرازيل، بتمويل مشروع مدته ست سنوات يهدف لتطبيق البيانات والمعلومات التي يتم الحصول عليها من خلال السجلات الجيولوجية في منطقة حوض الكاريبي بأكملها، وهذا المشروع يضم قرابة 12 عالماً ينتمون إلى أربع دول من بينها الولايات المتحدة الأميركية. ولجمع تلك البيانات ركز العلماء المشاركون على الرواسب التي يتم جمعها من المستنقعات والبحيرات العادية والبحيرات الشاطئية التي تقع خلف كواسر الأمواج. ويرى العلماء أن التقنية المستخدمة في هذه الوسيلة تعتبر من أفضل التقنيات المستخدمة للحصول على البيانات الضرورية، وذلك حسبما يقول "كام بيوليو" عالم البليونتولوجيا في جامعة لويزيانا، والذي كان أول من طبق هذا النهج في بحث مشكلة الأعاصير عام 1989. ويقول "ليو": إنه عندما تهب الأعاصير وتصل المياه إلى الشاطئ فإنها تقوم بدفع الرمال إلى تلك الأماكن حيث تستقر هناك، ثم تتغطى بعد ذلك بالمواد العضوية التي تكون الجزء الأكبر من التربة الموجودة تحت الماء. ويمكن للعلماء معرفة الوقت الذي تضرب فيه الأعاصير تلك المناطق من خلال استخدام تقنية "تأريخ الكربون المشع" وتطبيقها على المواد العضوية الموجودة فوق وتحت الطبقة الرملية. وقد تمكن العلماء من تعقب تواريخ الأعاصير لمدة 5000 عام على الأقل. وبعد النظر في البيانات المتحصل عليها من عدة مواقع على امتداد خليج المكسيك، توصل "ليو" إلى أن النشاط الإعصاري في هذه المنطقة كان منخفضاً خلال الـ1200 عام الأولى التي تم جمع عينات عنها، وخلال ألف عام الأخيرة كذلك... أما بالنسبة لفترة الـ2800 عام السابقة على ذلك مباشرة، فقد كان النشاط مرتفعاً، حيث تبين أن هناك إعصاراً كبيراً قد ضرب معاً تلك المواقع جميعاً خلال 200 عام. ويحاول العلماء في الوقت الراهن التوصل إلى العوامل المحيطية والمناخية التي تتسبب في تلك التحولات الطويلة الأمد. كاتب أميركي متخصص في الشؤون العلمية ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"