هناك وجهتا نظر في مسألة مواجهة ارتفاع الأسعار؛ الأولى يرى أصحابها ضرورة مواجهة هذه الارتفاعات المتتالية بشتى الطرق وإن تطلب الأمر تدخل الحكومة لتحديد الأسعار ودعم بعض السلع الضرورية. أما وجهة النظر الأخرى فيطالب أصحابها المستهلكين بشراء الضروريات والابتعاد عن الكماليات، ويطالب هؤلاء الحكومة بنشر ثقافة الادخار (الوعي الاستهلاكي). بالطبع أصحاب الرأي الثاني هم الذين يدُهُم في الماء ولا يعانون من ارتفاع الأسعار لأن الارتفاع لم يلامس الخط الأحمر لديهم، وقد لا يلامسه أبداً. أما أصحاب الرأي الأول فهم الذين يدُهُم في النار ويعانون كل ساعة من ارتفاع الأسعار ويبحثون عن حلول جذرية تضمن لهم ولأسرهم وأطفالهم حياة كريمة. المدارس والجامعات على الأبواب واحتياجاتها وأقساطها تنتظر أولياء الأمور وبعد ابتداء المدارس بأيام يأتي شهر رمضان الفضيل ولا يخفى على أحد مصاريف شهر رمضان وشهية التجار المفتوحة لرفع الأسعار فيه... ولن ينتهي شهر رمضان إلا بحلول عيد الفطر وهو موسم التجار للبيع والتربح وهو موسمهم لرفع الأسعار مرة أخرى! ولا نريد أن نعدد المناسبات التي يرفع فيها التجار أسعار منتجاتهم وخدماتهم، لأنه ببساطة خلال السنوات القليلة الماضية لم يعد التجار بحاجة إلى مناسبة أو موسم ليرفعوا الأسعار، فمتى ما أرادوا أن يرفعوا الأسعار رفعوها دون تردد، لأنهم يعرفون أن لا أحد يحاسبهم أو يراقبهم أو يمنعهم، خصوصاً وزارة الاقتصاد المشغولة بأشياء كثيرة جداً -نعرفها ونقدرها- وربما مشغولة بكل شيء إلا شيئاً واحداً هو الأسعار وارتفاعها. وكل ما قامت به الوزارة هو أنها صارت تصدر جدولاً أسبوعياً لأسعار الطماطم والخيار، ويبدو أنها راضية عن نفسها بهذا العمل "الخارق" الذي تقوم به، وربما تعتقد أنها حاصرت مشكلة غلاء الأسعار في زاوية جدول أسعارها! وحسب الدراسات الأخيرة فإن معدل زيادة غلاء أسعار السلع الاستهلاكية والمواد التموينية في الإمارات في الأشهر الاثني عشر الماضية بلغ 28%، وهي أعلى نسبة سجلت على مستوى دول الخليج في مقابل زيادة الرواتب التي لم تتجاوز 15%، وفي مقابل ذلك هناك غياب واضح للضوابط والإجراءات الصحيحة لمعالجة مشكلة ارتفاع الأسعار من أساسها... فالقوانين موجودة وتعطي إدارة حماية المستهلك صلاحية اتخاذ الإجراءات التي تحد من ارتفاع الأسعار، لكننا لا نرى شيئاً من ذلك ونتساءل: هل لا تمتلك إدارة حماية المستهلك في وزارة الاقتصاد الصلاحيات الكافية كي تقوم بفعل ملموس تجاه ارتفاع الأسعار الجنوني الذي تشهده البلاد، أم أنها لم تسمع بذلك الغلاء بعدُ كي تقوم بما هو منوط بها من مسؤوليات؟ وبذلك ألا ينطبق عليها المثل الشعبي "عمك اصمخ"، فلا حياة لمن تنادي، رغم أن موضوع الأسعار صار حديث المجالس وحديث الإعلام الإماراتي منذ أشهر؟ اللافت أننا منذ بداية مشكلة زيادة الأسعار لم نر أو نسمع إجراءً حازماً من قبل وزارة الاقتصاد في حق أي تاجر مخالف، ولا ندري لماذا لا تقوم الوزارة بذلك كما تقوم وزارة العمل التي رأيناها مؤخراً لا تتهاون مع الشركات المخالفة مهما كان صاحبها ومن كان... فوزارة العمل وضعت مصلحة الوطن نصب عينيها وفوق كل شيء وبدأت بتطبيق القوانين لتصحيح الأوضاع ووضع حد للأخطاء... فلماذا لا تطبق وزارة الاقتصاد القوانين التي تملأ رفوف مكاتبها بحزم حتى لا تتكرر تلك التصرفات غير المسؤولة من بعض التجار الذين لم يعودوا يمتلكون أي إحساس بالمسؤولية تجاه الوطن والمستهلكين، وكل همهم الربح السريع؟ ونتساءل أيضاً: هل فعلاً صارت مشكلة ارتفاع الأسعار خارج نطاق قدرة الحكومة على حلها، كما يردد البعض؟ نتمنى ألا يكون كذلك حتى لا تظهر عندنا مشكلة مزمنة جديدة، وألا تتحول مشكلة ارتفاع الأسعار التي تشهدها الدولة منذ خمسة أعوام تقريباً إلى مشكلة لا يمكن حلها تضاف إلى مشكلة التركيبية السكانية ومشكلة البطالة ومشكلة توطين الوظائف! لا شك أن ارتفاع الإيجارات لعب دوراً واضحاً في إقدام أصحاب المحال التجارية ومراكز التسوق على رفع أسعار السلع تفادياً لأية خسائر قد تنتج عن ذلك، وبالطبع فمن يدفع فرق الإيجار هو المستهلك وليس التاجر... فقد ارتفعت أسعار كل البضائع سواء الغذائية أو الصحية أو الترفيهية وحتى مواد البناء وكل شيء، وكان من الطبيعي أن توازي ذلك مطالبات برفع أجور ورواتب الموظفين والعمال. المجتمعات المتحضرة تحترم الإنسان وحاجياته الضرورية ولا تسمح باستغلال ذلك الإنسان وهذا ما نتوقعه في بلدنا، فلا يحق لفئة أن تستغل البشر من أجل المال والتربح السريع، فمن المهم أن يشعر الإنسان بالاستقرار والأمان في بلده أو في البلد الذي يعيش فيه، لا أن يكون على كف عفريت يستيقظ كل صباح ليفاجأ بتحركات جديدة للتجار لرفع الأسعار في مقابل صمت كامل لوزارة الاقتصاد تجاه هذا الأمر... إنه شعور صعب جداً ومحبط صار يعاني منه كثير من المستهلكين سواء مواطنين أو مقيمين، وهو شعور يجب ألا يستمر طويلاً لأن عواقبه كبيرة. لم يكن المواطن في الإمارات في يوم قبل هذه الأيام يخاف من المستقبل وما يخبئه له من تقلبات وتحديات قد تنغص عليه حياته... أما اليوم فقد صار المواطن يشعر بأنه في مهب الريح لا شيء يحميه أو يصد عنه تقلبات الحياة المفاجئة... ولا يجد المكان الذي يلجأ إليه كي يحتمي من تلك الريح! وواضح أن المواطن صار في واد والحكومة والبرلمان في واد آخر، والدليل أن ما تقوم به هاتان الجهتان الرئيسيتان لا يواكب احتياجات وهموم المواطن اليومية... وبالتالي لا تجد تلك الهموم الحل في الوقت المناسب. أخيراً نؤكد أنه من المعروف أن هناك ارتفاعاً عالمياً في الأسعار تشهده كثير من دول العالم... ونعرف أن هناك ارتفاعاً سابقاً لأسعار النفط أدى إلى تلك الارتفاعات... ولا يخفى علينا أن هناك ارتفاعاتٍ متوقعةً لسعر النفط خلال الشتاء المقبل -لا ندرى ماذا سيتبعها- كما يعرف الجميع أن هناك ارتفاعاً في سعر اليورو أدى إلى انخفاض في سعر الدولار وانخفاض في سعر الدرهم وبالتالي ارتفاع في أسعار السلع المستوردة... كما لا يخفى على أحد أن هناك ارتفاعاً في معدلات التضخم في الاقتصاد الإماراتي وصل إلى 9.5% خلال العام الماضي، ولا يمكن إيقاف ارتفاع الأسعار قبل تخفيض معدلات التضخم، كل ذلك معروف بالنسبة إلينا، ولكنني لا أعتقد أن الحكومة أو المجلس الوطني الاتحادي الموقرين يتوقعان أن يعرف أو يفهم المستهلك العادي هذه التفاصيل أو غيرها، فكل ما يريده المواطن أن يعيش عيشة كريمة دون أن يبحث عمن يقرضه قبل نهاية الشهر كي يكمل مصاريف شهره.